أن يكون قال ذلك فيما لم يتبيّن له ثبوته عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وعدمه، والله تعالى أعلم.

(إِلا أنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - تَوَضأَ مِثْلَ وُضُوئِي هَذَا) تقدّم الكلام في هذا قريبًا (ثُمَّ قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - (مَنْ تَوَضَّأَ هَكَذَا، غُفِرَ) بالبناء للمفعول (لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِه، وَكَانَتْ صَلَاتُهُ، وَمَشْيُهُ إِلَى الْمَسْجِدِ نَافِلَةً) أصل النافلة ما يُفعَل مما لم يَجِب، والمقصود هنا أن صلاته، ومشيه إلى المسجد لهما ثواب زائد على غفران الذنوب.

قال الأبيّ رحمه الله: لَمّا كفّر الوضوء السيّئات بقي ثواب الصلاة زيادة له يُرفع له به في الآخرة درجات، أو يُكفَّر به ما بعده، قال: وليس من شرط المزيد أن يكون من نوع المزيد عليه، فصحّ كون رفع الدرجات زيادة على التكفير.

قال: وهذا وحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - الآتي كل يقتضي استقلال الوضوء بالتكفير، والأول يقتضي أنه لا يستقلّ، بل تنضاف إليه الصلاة، فيُجمع بين الحديثين بأن يُرَدّ المطلق إلى المقيّد، أو أنه يختلف بحسب المصلّين، فربّ متوضئ يحضره من الخشوع ما يستقلّ وضوؤه بالتكفير. انتهى (?).

وقال القرطبيّ رحمه الله: قوله: "وكانت صلاته، ومشيه إلى المسجد نافلة" يعني أن الوضوء لم يُبْقِ عليه ذنبًا، فلَمّا فَعَلَ بعده الصلاةَ كان ثوابها زيادةً له على المغفرة المتقدّمة، و"النفلُ": الزيادة، ومنه نفل الغنيمة، وهو ما يُعطيه الإمام من الخمس بعد القسمة.

قال: وهذا الحديث يقتضي أن الوضوء بانفراده يستقلّ بالتكفير، وكذلك حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، فإنه قال فيه: "إذا توضأ العبد المسلم، فغسل وجهه خرج من وجهه كلُّ خطيئة نظر إليها بعينه"، وهكذا إلى أن قال: "حتى يخرُج نقيًّا من الذنوب"، وهذا بخلاف أحاديث عثمان المتقدّمة؛ إذ مضمونها أن التكفير إنما يحصل بالوضوء إذا صلّى به صلاةً مكتوبةً، يُتمّ ركوعها وخشوعها، والتوفيق يكون من وجهين:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015