أي يتنزهون، ومنه حديث ابن عبّاس - رضي الله عنهما - أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان إذا دخل على مَرِيضٍ، قال: "لا بأسَ طَهُور إن شاء الله"، رواه البخاريّ؛ أي مطهّرٌ من الذنوب (?).
وقال ابن قُدامة رحمه الله تعالى: "الطهارة" في اللغة: النزاهة عن الأقذار، وفي الشرع: رفع ما يمنع الصلاة من حدث، أو نجاسة بالماء، أو رفع حكمه بالتراب، فعند إطلاق لفظ الطهارة في لفظ الشارع، أو كلام الفقهاء ينصرف إلى الموضوع الشرعيّ، دون اللغويّ، وكذلك كلُّ ما له موضوع شرعيّ ولغويّ إنما ينصرف المطلق منه إلى الموضوع الشرعيّ، كالوضوء، والصلاة، والصوم، والزكاة، والحجّ، ونحوه؛ لأن الظاهر من صاحب الشرع التكلّم بموضوعاته.
و"الطُّهُور" - بضم الطاء -: المصدر، قاله اليزيديّ، و"الطَّهُور" - بالفتح -: من الأسماء المتعدّية، وهو الذي يُطهّر غيره، مثلُ الْغَسُول الذي يُغسل به.
وقال بعض الحنفيّة: هو من الأسماء اللازمة، بمعنى الطاهر سواءً؛ لأن العرب لا تُفرّق بين الفاعل والفعول في التعدّي واللزوم، في كان فاعله لازمًا كان فَعُوله لازمًا، بدليل قاعد وقَعُود، ونائم ونَؤُوم، وضارب وضَروب.
وهذا غير صحيح؛ فإن الله تعالى قال: {لِيُطَهِّرَكُم بِهِ}، وعن جابر - رضي الله عنه - أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "أُعطيتُ خمسًا لَمْ يُعْطَهُنّ نبيٌّ قبلي: نُصرت بالرعب مسيرة شهر، وجُعلت لي الأرض مسجدًا وطَهُورًا"، متَّفق عليه، ولو أراد به الطاهر لَمْ يكن فيه مزيّة؛ لأنه طاهر في حقّ كلّ أحد، وسئل النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عن التوضئ بماء البحر؛ فقال: "هو الطهور ماؤه الحلّ ميتته" (?)، ولو لَمْ يكن الطهور متعدّيًا لَمْ يكن ذلك جوابًا للقوم، حيث سألوه عن التعدّي؛ إذ ليس كلّ طاهر مُطَهِّرًا، وما ذكروه لا يستقيم؛ لأن العرب فرّقت بين الفاعل والفَعُول، فقالت: قاعد لمن وُجد منه الْقُعُود، وقَعُود لمن يتكرر منه ذلك، فينبغي أن يُفرّق بينهما ها هنا، وليس إلَّا من حيث التعدّي واللزوم. انتهى (?).