المراد بها: أولياء الأيتام، وهو قول الجمهور، وقال بعضهم: المراد به اليتيم

إن كان غنيًّا وُسِّع عليه، وأُعِفّ من ماله، وإن كان فقيرًا أُنفق عليه بقدره، وهذا

في غاية البُعْد؛ لأنَّ اليتيم لا يخاطب بالتصرّف في ماله لصغره، ولسفهه، ولأنه

إنما يأكل من ماله بالمعروف على الحالين، فيضيع التنويع والتقسيم المذكور في

الآية، وعلى قول الجمهور فالوليّ الغنيّ لا يأخذ من مال يتيمه شيئًا، ولا

يستحق على قيامه عليه أجرًا دنيويًّا، بل ثوابًا أخرويًّا، وأما الفقير، فاختُلف

فيه، هل يأخذ من مال يتيمه شيئًا؟ أم لا؟ فذهب زيد بن أسلم إلى أنه لا يأخذ

منه شيئًا، وإن كان فقيرًا، وحكي ذلك عن ابن عباس بناءً على أن هذه الآية

منسوخة بقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي

بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10)} [النساء: 10]، وقيل: بقوله: {وَلَا تَأْكُلُوا

أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188].

قال القرطبيّ: وهذا لا يصح النسخ فيه لعدم شرطه؛ إذ الجمع ممكن؛ إذ

الأخذ الذي أباحه الله تعالى ليس ظلمًا، ولا أكل مال بالباطل، فلم تتناوله

الآيتان، وهذا هو القول بالموجَب.

وذهب جمهور المجوّزين إلى إباحة الأخذ، لكنهم اختلفوا في القدر

المأخوذ، وفي قضاء المأخوذ، وفي وجه الأخذ، فروي عن عمر -رضي الله عنه- أنه

قال: إن أكلت قضيت، وبه قال عَبيدة السَّلْمانيّ، وأبو العالية، وهو أحد قولي

ابن عباس، وعكرمة، وقال من عدا هؤلاء: إن له الأخذ، ولا قضاء عليه،

لكنهم اختلفوا في وجه الأخذ، فذهب عطاء إلى أنه يأخذ بقدر الحاجة، وقال

الضحاك: يضارب بماله، ويأكل من ربحه، وقال الحسن: يسدّ الْجَوْعة، ويستر

العورة، وقال الشعبيّ: يأكل من التمر واللبن، وقد روي هذا عن ابن

عباس -رضي الله عنهما-، فقال: يأكل، ويشرب، ويركب الظهر غير مضرّ بنسل، ولا ناهك

في الحلب، قال القاضي أبو بكر ابن العربيّ: وعليه مذهب مالك.

قال القرطبيّ: والصحيح من هذه الأقوال -إن شاء الله- أن مال اليتيم

إن كان كثيرًا يحتاج إلى كثير قيام عليه، بحيث يشغل الولي عن حاجاته،

ومهماته، فُرض له فيه أجرة عمله، وإن كان قليلًا مما لا يشغله عن حاجاته،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015