لعن الله الدنيا، قالت الدنيا: لعن الله أعصانا لربّه" (?)، خرّجه الشريف أبو
القا اسم زيد بن عبد الله بن مسعود الهاشميّ.
وهذا يقتضي المنع من سبّ الدنيا، ولَعْنها.
ووجه الجمع بينهما أن المباح لعنه من الدنيا ما كان منها مبُعِدًا عن الله
تعالى، وشاغلًا عنه، كما قال بعض السلف: كل ما شغلك عن الله تعالى من
مال، وولد فهو عليك مشؤوم، وهو الذي نبَّه الله على ذمه بقوله تعالع:
{اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ}
[الحديد: 20]، وأما ما كان من الدنيا يقرّب إلى الله تعالى، ويعين على عبادة الله
تعالى، فهو المحمود بكل لسان، والمحبوب لكل إنسان، فمثل هذا لا يُسَبّ،
بل: يرغب فيه، ويحبّ، وإليه الإشارة بالاستثناء حيث قالى: "إلا ذكر الله، وما
والاه، أو عالم، أو متعلم"، وهو المصرَّح به في قوله: "فإنَّها نعمت مطية
المؤمن، عليها يبلغ الخيو، وبها ينجو من الشرّ"، وبهذا يرتفع التعارض بين
الحديثين. والله أعلم. انتهى (?).
قال الجامع عفا الله عنه: من الغريب محاولة القرطبيّ في الجمع بين الحديثين،
ومعروف أن التعارض لا يأتي إلا بين حديثين ثابتين، وأما إذا كان أحدهما غير
ثابت، فلا تعارض أصلًا، وما هنا من هذا القبيل، فإن الحديث الذي أورد
القرطبيّ ذكره العلماء مثالًا للموضوعات، ففي سنده إسماعيل بن أبان: كذاب.
قال الذهبيّ رحمه الله في "الميزان": إسماعيل بن أبان الغنوي الكوفي الخياط
كذب يحيى بن معين، وقال أحمد بن حنبل: كتبنا عنه عن هشام بن عروة، ثم
روى، أحاديث موضوعة عن فطر وغيره، فتركناه، وقال البخاريّ: ترك أحمد،
والناس حديثه، ثم أورد من مناكيره هذا الحديث، ثم قال: وقال ابن حبان:
كان يضع الحديث على الثقات. انتهى (?)، فهذا هو حال الحديث الذي حاول
القرطبيّ في الجمع بينه وبين الحديث الصحيح المتقدّم، فتنبّه، ولا تكن أسير
التقاليد، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.