الأنداد، والأضداد، والعيال، والأولاد، وعلى الجملة يبتلى المرء على حسب
دينه.
أخرفي الترمذيّ عن سعد بن أبي وقّاص -رضي الله عنه-قال: قلت: يا رسول الله
أيّ الناس أشدّ بلاءً؟ قال: "الأنبياء، ثم الأمثل، فالأمثل، فيبتلى الرجل على
حسب دينه، فإن كان دينه صلبًا اشتدّ بلاؤه، وإن كان في دينه رقّة ابتلى على
حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه
خطيئة"، قال الترمذيّ: هذا حديث حسن صحيح (?).
وأيُ سجن أعظم من هذا؟ ثم هو في هذا السجن على غاية الخوف
والوجل؛ إذ لا يدري بماذا يُختم له من عمل، كيف وهو يتوقّع أمرًا لا شيء
أعظم منه، ويخاف هلاكًا لا هلاك فوقه؟ ! فلولا أنه يرتجي الخلاص من هذا
السجن لهلك مكانه، لكن الله عزوجل لطف به، فهوّن عليه ذلك كلّه بما وعده على
صبره، وبما كشف له من حميد عاقبة أمره.
والكافر منفكّ عن تلك الحالات بالتكاليف، آمِن من تلك المخاويف،
مقبلٌ علي لذّاته، منهمك في شهواته، مغترّ بمساعدة الأيام، يأكل، ويتمتع،
كما تأكل الأنعام، وعن قريب يستيقظ من هذه الأحلام، ويحصل في السجن
الذي لا يرام، فنسأل الله السلامة من أهوال يوم القيامة. انتهى (?).
وقال السهرورديّ رحمه الله: إن السجن، والخروج منه يتعاقبان على قلب
العبد المؤمن على توالي الساعات، ومرور الأوقات؛ لأن النفس كلما ظهرت
صفاتها أظلم الوقت على القلب، حتى ضاق، وانكمد، وهل السجن إلا
تضييق، اس حجر من الخروج والولوج؟ فكلما هَمّ القلب بالتبري عن مشائم
الأهواء الدنيوية، والتخلص عن قيود الشهوات العاجلة؛ تَشَهِّيًا إلى الآجلة،
وتَنَزّهًا في فضاء الملكوت، ومشاهدةً للجمال الأزليّ حَجَزه الشيطان المردود
عن هذا الباب المطرود بالاحتجاب، فتدلى بحبل النفس الأمّارة إليه، فكدّر
صفو العيش عليه، وحال بينه وبين محبوب طبعه، وهذا من أعظم السجون،
وأضيقها، فإن من حيل بينه وبين محبوبه ضاقت عليه الأرض بما رحبت،