رجل منهم، فتقطّر الدم". واقتصر القاضي عياض على قوله: وكثير من
الشهداء، فدلّ على أنه يرى أن بعض الشهداء قد تأكل الأرض جسده، ولعله
أشار بذلك إلى المبطون، ونحوه، من الملحقين بالشهداء. وضمّ أبو العباس
القرطبيّ إلى الصنفين: المؤذّن المحتسب، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "المؤذّن المحتسب
كالمتشحّط في دمه، وإن مات لم يدوّد في قبره" (?). قال: وظاهر هذا أن
الأرض لا تأكل أجساد المؤذّنين المحتسبين، فللحديث إذًا تأويلان:
أحدهما: قال ابن عبد البر: كأنه قال: كلّ من تأكله الأرض، فإنه لا
تأكل منه عَجْب الذَّنَب، قال: هاذا جاز أن لا تأكل الأرض عجب الذنب جاز
أن لا تأكل الشهداء.
الثاني: قال القاضي عياض: يريد أن جميع الإنسان مما تأكله الأرض،
وإن كانت لا تأكل أجسامًا كثيرةً، كالأنبياء، وكثير من الشهداء. انتهى.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الذي صحّ لدينا ممن لا يبلى جسده هم
الأنبياء عليه السلام، وأما الشهداء، فليس عليه دليل مرفوع يُستَنَد إليه، وإنما صحّ بما
أخبر به جابر -رضي الله عنه- من خبر أبيه، ومَن دُفن معه -رضي الله عنه-، ونحو ذلك، ولا يستبعد
أن يكرم الله تعالى الشهداء بدلك.
بل قد يحصل لغيرهم من أهل الصلاح، والتقوى، فقد سمعتُ أخبارًا
وممن لا أشك في كونهم صادقين أنهم وجدوا بعض أهل العلم، والصلاح،
والزهد في قبورهم، كيوم موتهم بعد سنين متطاولة: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ
يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة: 54]، {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو
الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد: 21].
2 - (ومنها): أنه استَدَلّ جمهور أهل العلم بظاهر قوله: "إلا عجب
الذنب" على أنّ عجب الذنب لا يبلى، ولا تأكله الأرض، بل يبقى على حاله،
وإن بلي جميع جسد الميمت، وخالف في ذلك المزنيّ، فقال: إن عجب الذنب