وقال القاري - رحمه الله -: قوله: "ما بين ركبتيه إلى كعبيه" لمّا كان ظاهره أن
يؤتى بالواو في أوله؛ ليكون المعنى: ومجموعة ساقاه عليه، ويكون قوله:
"بالحديد" قيداً لهما، قال الطيبيّ - رحمه الله -: "ما" موصولة مرفوعة المحل،
والمعنى: مجموعة ساقاه بالحديد، وحذف "مجموعة" في الثاني؛ لدلالة
الأُولى عليها (?).
(قُلْنَا: وَيْلَكَ)؛ أي: ألزمك الله الويل والهلاك، (مَا أَنْتَ؟ )؛ أي: أيّ
جنس أنت، إنسيّ، أم جنّيّ؟ .
قال القاري - رحمه الله -: قوله: "ما أنت" استغربوه، فأوردوا "ما" مكان "من"،
ويمكن أن يكون السؤال عن وصفه وحاله؛ إذ قد علموا أنه رجل، وقد يجيء
"ما" بمعنى "من" كما حقِّق في قوله تعالى: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5)} [الشمس: 5]،
أو روعي مشاكلة ما قبلها. انتهى (?).
وقال الطيبيّ - رحمه الله -: قوله: "ما أنت؟ " كأنهم لمّا رأوا خلقاً عجيباً خارجاً
عما عهِدوه خفي عليهم حاله، فقالوا: ما أنت مكان من أنت، وكذلك قوله:
"ما أنتم"؛ لأنه ما عهد أن إنساناً يطرق ذلك المكان، نظيره في حديث أم
زرع: "زوجي أبو زرع، وما أبو أبو زرع؟ ". انتهى (?).
(قَالَ) الرجل: (قَدْ قَدَرْتُم)؛ أي: تمكنتم (عَلَى خَبَرِي)؛ أي: فإني لا
أخفيه عنكم، فأحدثكم عن حالي، (فَأَخْبِرُؤنِي)؛ أي: عن حالكم، وما أسأله
عنكم أوّلاً، وهذا معنى قوله: (مَا أَنْتُمْ؟ ) حيث لم يقل: من أنتم، ويمكن أن
يكون طباقاً لقولهم، وجزاء لفعلهم، وقال ابن الملك: أي من أنتم؟ أو ما
حالكم؟ (قَالُوا) فيه التفات من التكلم إلى الغيبة، ويمكن أن يكون التقدير: قال
بعضنا، ففيه تغليب للغائبين على الحاضرين. (نَحْنُ أُنَاسٌ مِنَ الْعَرَبِ، رَكِبْنَا فِي
سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ، فَصَادَفْنَا الْبَحْرَ حِينَ اغْتَلَمَ)؛ أي: هاج، وجاوز حده المعتاد،
وقال الكسائيّ: الاغتلام أن يتجاوز الإنسان ما حُدّ له من الخير والمباح.