وهذا الذي قلته من أن أبا إسحاق هو تلميذ مسلم، هو الذي قاله
القاضي عياض، والنوويّ؛ وأبو العبّاس القرطبيّ، وخالف في ذلك أبو عبد الله
القرطبيّ تلميذ أبي العبّاس، في "تذكرته"، فقال: هو أبو إسحاق السبيعيّ، وقد
ردّ عليه الحافظ في "الفتح"، ودونك عبارته، قال بعد إيراد النصّ المذكور:
كذا أطلق، فظنّ القرطبيّ (?) أن أبا إسحاق المذكور هو السبيعيّ أحد الثقات من
التابعين، ولم يُصِب في ظنه، فإن السند المذكور لم يجر لأبي إسحاق فيه
ذِكر، وإنما أبو إسحاق الذي قال ذلك، هو إبراهيم بن محمد بن سفيان
الزاهد، راوي "صحيح مسلم" عنه، كما جزم به عياض، والنوويّ، وغيرهما،
وقد ذكر ذلك القرطبي في "تذكرته" أيضاً قبل ذلك، فكأن قوله في الموضع
الثاني السبيعي سَبْق قلم، ولعل مستنده في ذلك ما قاله معمر في "جامعه" بعد
ذكر هذا الحديث: قال معمر: بلغني أن الذي يقتل الدجال: الخضر، وكذا
أخرجه ابن حبان من طريق عبد الرزاق، عن معمر، قال: كانوا يرون أنه
الخضر، وقال ابن العربيّ: سمعت من يقول: إن الذي يقتله الدجال هو
الخضر، وهذه دعوى لا برهان لها.
قال الحافظ: وقد تمسك من قاله بما أخرجه ابن حبان في "صحيحه" من
حديث أبي عبيدة بن الجراح، رفعه، في ذكر الدجال: "لعله أن يدركه بعض
من رآني، أو سمع كلامي ... " الحديث، ويعكر عليه قوله في رواية مسلم
المتقدّمة: "شابّ ممتلئ شباباً"، ويمكن أن يجاب بأن من جملة خصائص
الخضر أن لا يزال شابّاً، ويحتاج إلى دليل. انتهى كلام الحافظ - رحمه الله - (?)
قال الجامع عفا الله عنه: كلام الحافظ هذا ليس اضحاً في تحقيق هذه
المسألة إلا أن آخر كلامه، وهو قوله: ويحتاج إلى دليل، هو محور المسألة،
فكلّ من قال: إنه الخضر نقول له: أين دليلك على هذا من النصوص
الصحيحة؟ ، فكل ما ذكرتم إنما هي بلاغات، لا تغني شيئاً، والصواب من
أقوال أهل العلم، وهو مذهب البخاريّ وغيره أن الخضر ليس حيّاً في