والله لأنطلقنّ، فلأنظرنّ هذا الذي أنذرناه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فيمنعه أصحابه خشية
أن يُفتتن به، فيأتي حتى إذا أتى أدنى مسلحة من مسالحه، أخذوه، فسألوه ما
شأنه؟ فيقول: أريد الدجال الكذاب، فيكتبون إليه بذلك، فيقول: أرسلوا به
إليّ، فلما رآه عرفه".
(فَيَقُولُ) ذلك الرجل (لَهُ)؛ أي: للدجّال، (أَشْهَدُ أَنَّكَ الدَّجَّالُ الَّذِي
حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثَهُ) وفي رواية عطية: "أنت الدجال الكذاب الذي
أنذرناه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "، وزاد: "فيقول له الدجال: لتطيعني فيما آمرك به، أو
لأشقنّك شقتين، فينادي، يا أيها الناس هذا المسيح الكذاب"، (فَيَقُولُ الدَّجَّالُ)
لأتباعه الحاضرين لديه: (أَرَأَيْتُمْ)؛ أي: أخبروني (إِنْ قَتَلْتُ هَذَا) الرجل الذي
حدّثكم بأني الدجال الكذّاب، (ثُمَّ أَحْيَيْتُهُ) بعد قتله (أَتَشُكُّونَ فِي الأَمْرِ؟ )؛ أي:
في أمر ألوهيتي، (فَيَقُولُونَ: لَا)؛ أي: لا نشكّ في ذلك، وفي رواية عطية:
"ثم يقول الدجال لأوليائه"، وهذا يوضح أن الذي يجيبه بذلك أتباعه، ويردّ
قول من قال: إن المؤمنين يقولون له ذلك؛ تَقِيّةً، أو مرادهم: لا نشكّ أي في
كفرك، وبطلان قولك.
(قَالَ) - صلى الله عليه وسلم -: (فَيَقْتُلُهُ)؛ أي: يقتل الدجال ذلك الرجل (ثُمَّ يُحْيِيهِ) بعد
قتله؛ استدراجاً من الله - عز وجل -، وفي رواية أبي الوداك: "فيأمر به الدجال،
فيُشبح، فيُشبع ظهره وبطنه ضرباً، فيقول: أما تؤمن بي؟ فيقول: أنت المسيح
الكذاب، فيؤمر به، فيوشر بالميشار من مفرقه، حتى يفرق بين رجليه، ثم
يمشي الدجال بين القطعتين، ثم يقول: قم، فيستوي قائماً"، وتقدّم في حديث
النوّاس بن سمعان: "فيدعو رجلاً ممتلئاً شباباً، فيضربه بالسيف، فيقطعه
جزلتين، ثم يدعوه، فيقبل، ويتهلل وجهه، يضحك"، وفي رواية عطية: "فيأمر
به، فيُمَدّ برجليه، ثم يأمر بحديدة، فتوضع على عُجْب ذَنَبه، ثم يشقه شقتين،
ثم قال الدجال لأوليائه: أرأيتم إن أحييت لكم هذا، ألستم تعلمون أني ربكم؟
فيقولون: نعم، فيأخذ عصاً، فضرب أحد شقيه، فاستوى قائماً، فلما رأى ذلك
أولياؤه صدّقوه، وأحبوه، وأيقنوا بذلك أنه ربهم"، وعطية ضعيف.
قال ابن العربيّ - رحمه الله -: هذا اختلاف عظيم، يعني في قتله بالسيف،
وبالميشار، قال: فيُجمع بأنهما رجلان يقتل كلّاً منهما قِتلةً غير قِتلة الآخر.