(فَيَرْغَبُ) أي إلى الله، أو يدعو (نَبِي اللهِ عِيسى) - عليه السلام -، فيه تنبيه نَبِيه على
أن عيسى - عليه السلام - مع متابعته لشريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - باق على نبوّته. (وَأَصْحَابُهُ) قال
القاضي: أي يرغبون إلى الله تعالى في إهلاكهم، وإنجائهم عن مكابدة بلائهم،
ويتضرعون إليه، فيستجيب الله تعالى، فيهلكهم بالنغف، كما قال: (فَيُرْسِلُ اللهُ
عَلَيْهُمُ)؛ أي: على يأجوج ومأجوج، (النَّغَفَ فِي رِقَابِهِمْ) بفتح النون والغين
المعجمة: هي دود يكون في أنوف الإبل والغنم، الواحدة نغفة، وهي وإن
كانت محتقرة، فإتلافها شديد، ويقال للرجل الحقير: ما أنت إلا نغفة.
(فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى) كهلكى وزناً ومعنى، وهو جمع فريس، كقتيل وقتلى،
من فرس الذئب الشاة: إذا كسرها، وقتلها، ومنه فريسة الأسد. (كمَوْتِ نَفْسٍ
وَاحِدَةٍ) لكمال القدرة، وتعلق المشيئة، قال تعالى {مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا
كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [لقمان: 28]، قال التوربشتيّ - رحمه الله -: يريد أن القهر الإلهيّ
الغالب على كل شيء يَفرسهم دفعة واحدة، فيصبحون قتلى، وقد نبّه بالكلمتين
- أعني: النغف، وفرسى - على أنه - سبحانه وتعالى - يهلكهم في أدنى ساعة، بأهون شيء،
وهو النغف، فيفرسهم فرس السبع فريسته، بعد أن طارت نعرة البغي في
رؤوسهم، فزعموا أنهم قاتِلوا من في السماء (?).
(ثُمَّ يَهْبِطُ) بكسر الموحّدة، من باب ضرب؛ أي: ينزل من الطور (نَبِيُّ اللهِ
عِيسَى) - عليه السلام - (وَأَصْحَابُهُ) المؤمنون (إِلَى الأَرْضِ، فَلَا يَجِدُونَ فِي الأَرْضِ) أي:
في وجهها جميعاً، وهذا هو وجه العدول عن الضمير إلى الظاهر، فاللام في
الأُولى للعهد، وفي الثانية للاستغراق، بدليل الاستثناء، وبه يتبيّن أن القاعدة
المعروفة: أن المعرفة إذا أعيدت تكون عين الأُولى مبنية على الغالب، أو
حيث لا قرينة صارفة (?).
قال الجامع عفا الله عنه: أشار بقوله: وبه يتبيّن إلخ إلى القاعدة التي
ذكرها السيوطيّ - رحمه الله - في "عقود الجمان"، حيث قال:
ثُمَّ مِنَ الْقَوَاعِدِ الْمُشْتَهِرَهْ ... إِذَا اتَتْ نَكِرَةٌ مُكَرَّرَهْ