هَرَدت الثوب: شققته، والْهِرْدى على وزن فِعْلى بكسر الهاء: نبت يُصبغ به،

وثواب مهرود؛ أي: صُبغ أصفر.

ولمّا كان هذا هو المعروف في اللغة، اختَلَف الشارحون لهذا اللفظ في

هذا الحديث، فقيل: إنا عيسى- عليه السلام - ينزل في شقي ثوب، والشقة نصف

الْملاءة، أو في حلّتين، مأخوذ من الْهَرْد، وهو القطع والشقّ، وقال أكثرهم:

في ثوبين مصبوغين بالصفرة، وكأنه الذي صُبغ بالْهِرْدَى. وقد اجترأ القتبيّ،

وخطّأ النقلة في هذا اللفظ، وقال: هو عندي خطأ من النقلة، وأراه مَهْرُوَّتَين،

يقال: هَرَيت العمامةَ: إذا لبستها صفراء، وكأن فعلت منه: هروت، وأنشدوا

عليها [من الطويل]:

رَأَيْتُكَ هَرَّيْتَ الْعِمَامَةَ بَعْدَمَا ... أَرَاكَ زَمَاناً حَاسِراً لَمْ تُعَصّبِ

قال: إنما أراد: أنك لبست العمامة صفراء، كما يلبسها السادة، وكان

السيد يعتم بعمامة صفراء، ولا يكون ذلك لغيره.

قال القرطبيّ: لقد صدق من قال في ابن قتيبة: هَجُوم، ولّاجٌ على ما لا

يُحسن، وقد أخطأ ابن قتيبة فيما خَطّأ فيه الثقات، وأهل التقييد والثبت والعلم

من وجهين:

أحدهما: حكمه بالخطأ وجرأته به على الأئمة الحفّاظ الثقات العلماء،

فكان حقّه أن يتوقف إذا لم يجد محملاً لتلك اللفظة على النحو المرويّ.

وثانيهما: إن ما استدلّ به، لا حجَّة فيه، لوجهين قد أشار إليهما أبو بكر

فيما حكاه الإمام أبو عبد الله عنه، فقال: ما قاله خطأ؛ لأنَّ العرب لا تقول:

هروت الثوب، لكن هريت، ولا يقال أيضاً هريت إلا في العمامة خاصّة،

فليس له أن يقيس على العمامة؛ لأنَّ اللغة رواية.

قال القرطبيّ: والأصحّ قول الأكثر، ويشهد له ما قد وقع في بعض

الروايات بدل "مهرودتين": "ممصّرتين"، والممصّرة من الثياب هي المصبوغة

بالصفرة - والله تعالى أعلم - انتهى (?).

حال كون عيسى - عليه السلام - (وَاضِعاً كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ) وهذا بيان كيفية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015