قال أبو جعفر الطبريّ - رَحِمَهُ اللهُ -: يقول تعالى ذكره: الله الذي يأبى إلَّا إتمام
دينه، ولو كره ذلك جاحدوه، ومنكروه، (الذي أرسل رسوله)، محمدًا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
(بالهدى)؛ يعني: ببيان فرائض الله على خلقه، وجميع اللازم لهم (و) بـ (دين
الحق) وهو الإسلام، (ليظهره على الدين كله)، يقول: ليُعلي الإسلام على
الملل كلها، (ولو كره المشركون)، بالله ظهورَه عليها.
ثم ذكر اختلاف أهل التأويل في معنى قوله: (ليظهره على الدين كله)
فقال، بعضهم: ذلك عند خروج عيسى - عَلَيْهِ السَّلَامْ -، حين تصير المللُ كلُّها واحدةً،
وقال، آخرون: معنى ذلك: ليعلمه شرائعَ الدين كلها، فيطلعه عليها، فعن ابن
عباس - رضي الله عنهما - قوله: (ليظهره على الدين كله)، قال: ليُظهر الله نبيّه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على أمر
الدين كله، فيعطيه إيّاه كله، ولا يخفى عليه منه شيء، وكان المشركون واليهود
يكرهون ذلك. انتهى (?).
(أَنَّ ذَلِكَ) المذكور في الآية من ظهور الإسلام على الأديان كلها يكون
(تَامًّا) مستمرًّا إلىى يوم القيامة، تعني أنَّها فَهِمت من هذه الآية الكريمة أن
المسلمين لن يُغلبوا أبدًا، ولن يعود الكفر بعدما أظهر الله تعالى الإسلام على
جميع الأديان، فـ (قَالَ) رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ("إِنَّهُ) الضمير للشأن؛ أي: إن الحال
والشأن، (سَيَكُونُ مِنْ ذَلِكَ) الذي فهمته، من ظهور الإسلام على الأديان كلها
(مَا شَاءَ اللهُ) كونه.
حاصل الجواب: أن ما دلّت عليه الآية من ظهور الإسلام على الدين كلّه
ليس قضيّة دائمة مستمرّة إلى يوم القيامة، بل هي مغيّبات بما بيّنه بقوله:
(ثُمَّ يَبْعَثُ اللهُ) - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - (رِيحًا طَيِّبَةً) في رائحتها، ليّنة في هبوبها، (فَتَوَفَّى) أصله
فتتوفَّي، فحُذفت منه إحدى التاءين؛ تخفيفًا، كما في قوله تعالى: {نَارًا تَلَظَّى}
[الليل: 14]، وقوله: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ} [القدر: 4]، كما قال في "الخلاصة":
وَمَا بِتَاءَيْنِ ابْتُدِي قَدْ يُقْتَصَرْ ... فِيهِ عَلَى تَا كَـ "تَبَيَّنُ الْعِبَرْ"
وقوله: (كُلَّ مَنْ) بالنصب على المفعوليّة، (فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ
إِيمَانٍ)؛ أي: فيه وت بسببها كلّ مؤمن، (فَيَبْقَى مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ) من الكفرة،