به، وأعجبها ما رأت من حُسن أثرها عليه، وقالت: انطلقن به إلى فرعون،
فلينحله، وليكرمه، فلما دخلوا به عليه جعلته في حجره، فتناول موسى لحية
فرعون حتى مدّها، فقال عدوّ من أعداء الله: ألا ترى ما وعد الله إبراهيم أنه
سيصرعك ويعلوك، فأرسل إلى الذباحين ليذبحوه، وذلك من الفتون يا ابن
جُبَير، بعد. كلّ بلاء ابتلي به وأريد به، فجاءت امرأة فرعون تسعى إلى فرعون،
فقالت: ما بدا لك في هذا الصبيّ الذي قد وهبته لي؟ قال: إلا ترين يزعم أنه
سيصرعنك، ويعلوك، فقالت: اجعل بيني وبينك أمرًا تعرف فيه الحق، أنت
بجمرتين ولؤلؤتين، فقرّبهنّ إليه، فإن بطش باللؤلؤتين واجتنب الجمرتين علمت
أنه يعقل، وإن تناول الجمرتين ولم يرد اللؤلؤتين، فاعلم أن أحدًا لا يؤثر
الجمرتين على اللؤلؤتين وهو يعقل، فقرّب ذلك إليه، فتناول الجمرتين،
فنزعوهما منه مخافة أن تحرقا يده، فقالت المرأة: ألا ترى؟ فصرفه الله عنه
بعدما قد همّ به، وكان الله بالغًا فيه أمره.
فلما بلغ أشدّه، وكان من الرجال، لَمْ يكن أحد من آل فرعون يخلص
إلى أحد من بني إسرائيل معه بظلم ولا سخرة، حتى امتنعوا كلّ امتناع،
فبينما هو يمشي ذات يوم في ناحية المدينة، إذ هو برجلين يقتتلان، أحدهما
من بني إسرائيل، والآخر من آل فرعون، - فاستغاثه الإسرائيلي على الفرعوني،
فغضب موسى واشتدّ غضبه؛ لأنه تناوله وهو يعلم منزلة موسى من بني
إسرائيل، وحفظه لهم، ولا يعلم الناس إلَّا أنما ذلك من قِبَل الرضاعة غير أمّ
موسي، إلَّا أن يكون الله أطلع موسى من ذلك على ما لَمْ يطلع عليه غيره؛
فوكز موسى الفرعوني فقتله، وليس يراهما أحد إلَّا الله والإسرائيلي، فقال
موسى حين قتل الرجل: (هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلّ مُبِينٌ) ثُمَّ
قَالَ: (رَبِّ، إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)
(فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ) الأخبار، فأتى فرعون، فقيل له: إن بني
إسرائيل ق في قتلوا رجلًا من آل فرعون، فخُذ لنا بحقنا ولا ترخص لهم في
ذلك، فقال: ابغوني قاتله ومن يشهد عليه؛ لأنه لا يستقيم أن يقضي بغير بيِّنة
ولا ثبت، فطلبوا له ذلك؛ فبينما هم يطوفون لا يجدون ثَبَتًا، إذ مرّ موسى
من الغد، فرأى ذلك الإسرائيلي يقاتل فرعونيًا، فاستغاثه الإسرائيلي على