حذيفة - رضي الله عنه - يقول: إنه أعلم الناس بكلّ فتنة تكون إلى قيام الساعة، وذلك
لكم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أسرّ إليه بعلم ذلك ما لَمْ يُسرّ إلى أحد غيره، وأماء، يُحدّث به
الناسَ من بعض الفتن فإنما هو مما سمعه حذيفة منه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع غيره، ولكنه
حفظ، ونسيه غيره، وهذا النوع هو الذي استدرك حذيفة - رضي الله عنه - بقوله: (وَلَكِنْ
رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ، وَهُوَ يُحَدِّثُ) جملة حاليّة من "رسول الله"، وقوله:
(مَجْلِسًا)؛ أي: أهل مجلس، فهو مما حُذف المضاف، وأقيم المضاف إليه
مُقامه، فانتصب انتصابه، كما قال في "الخلاصة":
ومَا يَلِي الْمُضَافَ يَأْتِي خَلَفَا ... عَنْهُ فِي الإِعْرَابِ إِذَا مَا حُذِفَا
ويَحْتَمِل أن يكون "مجلسًا" منصوبًا بنزع الخافض؛ أي: يُحدّث في
مجلس، وقوله: (أَنَا فِيهِ) صفة لـ "مجلسًا"، (عَنِ الْفِتَنِ) متعلّق بـ "يُحدّث"
(فَقَالَ) توكيد لـ "قال" الأول، (رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وقوله: (وَهُوَ يَعُدُّ الْفِتَنَ: ) جملة
حاليّة من الفاعل، و"يَعُدّ" بفتح أوله، وضمّ العين مضارع عَدّ، من العدّ،
يقال: عدّ الشيءَ يعُدّه عدًّا، من باب نصر: إذا أحصاه، و"الفتن" بكسر،
ففتح: جمع فتنة، قال الفيوميّ - رَحِمَهُ اللهُ -: الفِتْنَةُ: المحنة، والابتلاء، والجمع فِتَن،
وأصل الفِتْنَةِ من قولك: فَتَنْتُ الذهب، والفضة: إذا أحرقته بالنار؛ ليبيّن الجيّد
من الرديء. انتهى (?).
وقد تقدّم البحث بأتمَّ من هذا في أول "كتاب الفتن"، وبالله التوفيق.
وقوله: ("مِنْهُنَّ ثَلَاثٌ) مقول "قال"، وجملة "وهو يعدّ الفتن" حاليّة
معترضة بينهما؛ أي: ثلاث من تلك الفتن (لَا يَكَدْنَ)؛ أي: لا يقربن،
(يَذَرْنَ)؛ أي: يتركن (شَيْئًا) مما في الأرض، بل تهلك كله، وهذه الثلاث لَمْ
يُعرف تعيينها، والله تعالى أعلم.
(وَمِنْهُنَّ)؛ أي: من تلك الفتن، (فِتَنٌ) تكون (كِريَاحِ الصَّيْفِ)؛ أي:
مؤذية كأذيّة الرياح التي تأتي في الصيف، فإنها حارّة ضارّة، (مِنْهَا)؛ أي: تلك
الفتن، (صِغَارٌ)؛ أي: قليلة الضرر، أو قليل من تصيبه، (وَمِنْهَا كِبَارٌ)؛ أي:
كثيرة الضرر، أو كثير من تصيبه. (قَالَ حُذَيْفَةُ) - رضي الله عنه - (فَذَهَبَ)، أي: مات