فمن هؤلاء من تمسّك بمثل هذه الأحاديث، فانكفّ، ومنهم من أشكل

عليه الأمر، فانكفّ لذلك، كعبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- إلى أن اتّضح له الحقّ،

فندم.

قال القاضي: ويتوجّه في هذا الحديث الكلام في دماء الصحابة -رضي الله عنهم-،

وقت، لهم، وللناس في ذلك غُلُوّ، وإسراف، واضطرابٌ من المقالات،

واختلاف، والذي عليه جماعة أهل السنّة والحقّ حُسْن الظنّ بهم، والإمساك

عما شجر بينهم، وطلبُ أحسن التأويل لفعلهم، وأنهم مجتهدون غير قاصدين

للصمصية، والمجاهرة بذلك، وطلب حبّ الدنيا، بل كلٌّ عَمِلَ على شاكلته،

وبحَسَب ما أدّاه إليه اجتهاده، لكَن منهم المخطئ في اجتهاده، ومنهم

المصيب، وقد رفع الله تعالى الحرج عن المجتهد المخطئ في فروع الدين (?)،

وضعّف الأجر للمصيب.

وقد توقّف الطبريّ وغيره عن تعيين المحقّ منهم، وعند الجمهور أن عليًّا

وأشياعه مصيبون في ذبّهم عن الإمامة، وقتالهم من نازعهم فيها؛ إذ كان أحقّ

الناس بها، وأفضلِ مَنْ على الأرض حينئذ، وغيّره تأول وجوب القيام بتغيير

المنكر في طلب قَتَلَة عثمان -رضي الله عنه- الذين في عسكر عليّ -رضي الله عنه-، وأنهم لا يُعطون

بيعةً، ولا يعقدون إمامة حتى يقضوا ذلك، ولم يطلبوا سوى ذلك، ولم يَرَ هو

دفعهم؛ إذ الحكم فيهم إلى الإمام، وكافت الأمور لم تستقرّ استقرارها، ولا

اجتمعت الكلمة بعدُ، وفيهم عدد، ولهم شوكة ومَنَعَةٌ، ولو أظهر تسليمهم

أوّلًا، أو القصاص لاضطرب الأمر، وانبتّ الحبل.

ومنهم جماعة لم يروا الدخول في شيء من ذلك، محتجّين بنهي النبيّ -صلى الله عليه وسلم-

عن التلبّس بالفتن، والنهي عن قتال أهل الدعوة، كما احتجّ أبو بكرة -رضي الله عنه- في

هذا الحديث على الأحنف بن قيس، وعَذَروا الطائفتين بتأويلهم، ولم يروا

إحداهما باغية، فيقاتلوها (?).

وقال النوويّ: هذا الحديث والأحاديث قبله وبعده، مما يَحتج به من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015