"المستدرك" (4/ 440 - 441)، و (ابن حبّان) في "صحيحه" (5965)،
و(البيهقيّ) في "الكبرى" (8/ 190)، والله تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): في فوائده:
1 - (منها): بيان معجزة ظاهرة للنبيّ -صلى الله عليه وسلم- حيث أخبر بما يكون بعده في
أمته من الفتن، فكان كما أخبر -صلى الله عليه وسلم-.
2 - (ومنها): الأمر بالبعد عن الفتن قدر المستطاع، فلا ينبغي لمسلم أن
يُعرّض نفسه للفتن، بل يهرب منها، وليتجنّب مواقعها، ويدعو الله سبحانه وتعالى أن
يجنّبه منها.
3 - (ومنها): بيان أن من أُكره على الدخول في الفتن ليس عليه إثم،
وإنما الإثم على من أكرهه، قال القرطبيّ رحمهُ اللهُ: وفيه رفع الحرج عن المكره
على مثل هذا، والمكره هنا هو الذي لا يملك من نفسه شيئًا؛ لقوله: "أرأيت
إن أكرهت حتى يُنطلق بي"، ولم يقل: إنه أطلق من قِبَل نفسه. انتهى (?).
وقال النوويّ رحمهُ اللهُ: في هذا الحديث رفع الإثم عن الْمُكْرَه على الحضور
هناك، وأما القتل فلا يباح بالإكراه، بل يأثم المكرَه على المأمور به بالإجماع،
وقد نقل القاضي وغيره فيه الإجماع، قال أصحابنا: وكذا الإكراه على الزنى،
لا يرفع الإثم فيه، هذا إذا أُكرهت المرأة حتى مكّنت من نفسها، فأما إذا
رُبطت، ولم يمكنها مدافعته، فلا إثم، والله أعلم. انتهى (?).
4 - (ومنها): ما قاله القرطبيّ رحمهُ اللهُ: قد قال بظاهر هذه الأحاديث جماعة
من السلف، فاجتنبوا جميع ما وقع بين الصحابة -رضي الله عنهم- من الخلاف والقتال،
منهم: أبو بكرة، وعبد الله بن عمر، ومحمد بن مسلمة، وأسامة بن زيد -رضي الله عنهم-.
فأما عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- فندم على تخلّفه عن نصر عليّ بن أبي
طالب -رضي الله عنه-، وقال عند موته: ما آسى على شيء ما آسى على تركي قتال الفئة
الباغية؛ يعني: فئة معاوية.
وأما محمد بن مسلمة فاتخذ سيفًا من خشب، وقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
أمره بذلك، وأقام بالربذة.