عطف الخاصّ على العامّ؛ لاختصاصها بما يفارقها من سائر أشكالها، وأنها
كالداهية الدهياء، نسأل الله العافية منها بفضله، وعميم طَوْله. انتهى (?).
وقال القرطبيّ رحمهُ اللهُ: قوله: "إنها ستكون فتنٌ إلخ" هذا كله تضمّن الإخبار
عن وقوع فتن هائلة عظيمة بعده -صلى الله عليه وسلم-، والأمر بالكفّ عنها، والفرار منها.
انتهى (?).
(الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي فِيهَا، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي إِلَيْهَا)؛
أي: يجعلها غاية سعيه، ومنتهى غرضه، لا يَرَى مَطلبًا غيرها، ولام الغرض
و"إلى" الغاية متقاربان معنى، فحينئذ يستقيم التدرج والترقي من الماشي فيها
إلى الساعي إليها. (أَلَا) أداة تنبيه، أعادها لمزيد التوكيد، (فَإِذَا نَزَلَتْ)؛ أي:
الفتن، أو تلك الفتنة، وقوله: (أَوْ وَقَعَتْ) "أو" للشكّ من الراوي، هل قال:
"نزلت"، أو قال: "وقعت"، (فَمَنْ كَانَ لَهُ)؛ أي: في البرية (إِبِلٌ، فَلْيَلْحَقْ
بِإِبِلِهِ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ غَنَمٌ فَلْيَلْحَقْ بِغَنَمِهِ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ)؛ أي: عَقار، أو
مزرعة بعيدة عن الناس، (فَلْيَلْحَقْ بِأَرْضِهِ") فإن الاعتزال، والاشتغال بخُويصة
نفسه حينئذ واجب؛ لوقوع عموم الفتنة العمياء بين الرجال، كما قال الشاعر
[من البسيط]:
إِنَّ السَّلَامَةَ مِنْ لَيْلَى وَجَارَتِهَا ... أَنْ لَا تَمُرَّ عَلَى حَالٍ بوَادِيهَا
(قَالَ) أبو بكرة (فَقَالَ رَجُلٌ) لم يُسمّ: (يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ)؛ أي:
أخبرني (مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِبِلٌ، وَلَا غَنَمٌ، وَلَا أَرْضٌ؟ )؛ أي: فأين يذهب؟ أو
كيف يفعل؟ (قَالَ) -صلى الله عليه وسلم-: ("يَعْمِدُ) بكسر الميم؛ أي: يقصد (إِلَى سَيْفِهِ)؛ أي:
إن "كان له سيف، (فَيَدُقُّ) بفتح أوله، وضمّ ثالثه، من باب نصر؛ أي: يضرب
(عَلَى حَدِّهِ بِحَجَرٍ) المعنى: فليكسر سلاحه، كيلا يذهب به إلى الحرب؛ لأن
تلك الحروب بين المسلمين، فلا يجوز حضورها.
قال النوويّ رحمهُ اللهُ: قيل: المراد: كسر السيف حقيقةً على ظاهر الحديث؛
ليسدّ على نفسه باب هذا القتال، وقيل: هو مجاز، والمراد: ترك القتال،