رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "رأيت صاحبكم محبوسًا على باب الجنة"، ومنهم من يكون

محبوسًا في قبره، ومنهم من يكون في الأرض، ومنها أرواح في تنور الزناة

والزواني، وأرواح في نهر الدم، تسبح فيه، وتُلقم الحجارة، كل ذلك تشهد له

السُّنَّة، والله أعلم.

وأما الحياة التي اختص بها الشهيد، وامتاز بها عن غيره في قوله تعالى:

{وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169)} [آل عمران: 169]، وقوله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (154)} [البقرة: 154]، فهي: أن الله تعالى جعل أرواحهم في

أجواف طير خضر، كما في حديث عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: "قال

رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لمّا أصيب إخوانكم - يعني: يوم أُحد - جعل الله أرواحهم في

أجواف طير خضر، تَرِدُ أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من

ذهب مُظَلَّة في ظل العرش ... " الحديث، رواه الإمام أحمد، وأبو داود،

وبمعناه في حديث ابن مسعود، رواه مسلم، فإنهم لمّا بذلوا أبدانهم لله -عز وجل-

حتى أتلفها أعداؤه فيه أعاضهم منها في البرزخ أبدانًا خيرًا منها، تكون فيها

إلى يوم القيامة، ويكون تنعّمها بواسطة تلك الأبدان أكمل من تنعّم الأرواح

المجردة عنها، ولهذا كانت نسمة المؤمن في صورة طير، أو كطير، ونسمة

الشهيد في جوف طير، وتأمل لفظ الحديثين، ففي "الموطأ" أن كعب بن مالك

كان يحدث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن نسمة المؤمن طائر يَعْلُق في شجر

الجنة، حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه". فقوله: "نسمة المؤمن" تعمّ

الشهيد وغيره، ثم خصّ الشهيد بأن قال: هي في جوف طير خضر، ومعلوم

أنها إذا كانت في جوف طير صَدَق عليها أنها طير، فتدخل في عموم الحديث

الآخر بهذا الاعتبار، فنصيبهم من النعيم في البرزخ أكمل من نصيب غيرهم من

الأموات على فرشهم، وإن كان الميت أعلى درجة من كثير منهم، فلهم نعيم

يختص به لا يشاركه فيه من هو دونه، والله أعلم.

وحرَّم الله على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء، كما رُوي في "السنن"،

وأما الشهداء فقد شوهد منهم بعد مُدد مِن دَفْنه كما هو، لم يتغير، فيَحْتَمِل

بقاؤه كذلك في تُربته إلى يوم محشره، ويَحْتَمِل أنه يبلى مع طول المدة، والله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015