رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن عذاب القبر فقال: "نعم، عذاب القبر حق"، قالت: فما
رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعدُ صلى صلاة إلا تعوّذ من عذاب القبر، رواه الشيخان.
ومنها: حديث ابن مسعود، أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الموتى ليعذَّبون في
قبورهم حتى إن البهائم لتسمع أصواتهم". رواه الطبراني في "الكبير"، بإسناد
حسن.
ومنها: حديث أنس المتقدّم في هذا الباب، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
"لولا أن تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر"، والله تعالى أعلم.
وقال العلامة ابن أبي العزّ -رحمه الله- في "شرح العقيدة الطحاويّة" بعد إيراده
حديث البراء - رضي الله عنه - الذي أسلفته بطوله ما نصّه: وذهب إلى موجب هذا الحديث
جميع أهل السُّنَّة والحديث، وله شواهد من الصحيح، ثم أورد أحاديث، ثم
قال:
وقد تواترت الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثبوت عذاب القبر ونعيمه لمن
كان لذلك أهلًا، وسؤال الملَكين، فيجب اعتقاد ثبوت ذلك، والإيمان به، ولا
نتكلم في كيفيته؛ إذ ليس للعقل وقوف على كيفيته؛ لكونه لا عهد له به في هذا
الدار، والشرع لا يأتي بما تُحيله العقول، ولكنه قد يأتي بما تَحار فيه العقول،
فإن عَوْد الروح إلى الجسد ليس على الوجه المعهود في الدنيا، بل تعاد الروح
إليه إعادة غير الإعادة المألوفة في الدنيا، فالروح لها بالبدن خمسة أنواع من
التعلق، متغايرة الأحكام:
أحدها: تعلقها به في بطن الأم جنينًا.
الثاني: تعلقها به بعد خروجه إلى وجه الأرض.
الثالث: تعلقها به في حال النوم، فلها به تعلق من وجه، ومفارقة من
وجه.
الرابعِ: تعلقها به في البرزخ، فإنها وإن فارقته، وتجردت عنه، فإنها لم
تفارقه فراقا كليًّا بحيث لا يبقى لها إليه التفات البتة، فإنه وَرَدَ ردّها إليه وقت
سلام المسلِّم، وورد أنه يسمع خفق نعالهم حين يُوَلُّون عنه، وهذا الرد إعادة
خاصة، يوجب حياة البدن قبل يوم القيامة.
الخامس: تعلقها به يوم بَعث الأجساد وهو أكمل أنواع تعلقها بالبدن،