وأبو داود، من حديث البراء بن عازب (?)، في أثناء حديث طويل فيه: "وإنه
ليسمع خفق نعالهم". ورَوى إسماعيل بن عبد الرحمن السديّ عن أبيه، عن
أبي، هريرة، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "إن الميت ليسمع خفق نعالهم إذا ولوا مدبرين"،
أخرجه البزار، وابن حبان في "صحيحه" هكذا مختصرًا، وأخرج ابن حبان
أيضًا، من طريق محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -
نحوه في حديث طويل.
واستُدلّ به على جواز المشي بين القبور بالنعال، ولا دلالة فيه، قال ابن
الجوزيّ ليس في الحديث سوى الحكاية عمن يدخل المقابر، وذلك لا يقتضي
إباحة ولا تحريمًا. انتهى.
وإنما استَدَلّ به من استدلّ على الإباحة أخذًا من كونه - صلى الله عليه وسلم - قاله، وأقره،
فلو كان مكروهًا لبيَّنه، لكن يعكر عليه احتمال أن يكون المراد: سماعه إياها
بعد أن يجاوز المقبرة، ويدل على الكراهة حديث بشير بن الخصاصية: "أن
النبيّ - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلًا يمشي بين القبور، وعليه نعلان سبتيتان، فقال: يا صاحب
السبتيتين ألق نعليك"، أخرجه أبو داود، والنسائيّ، وصححه الحاكم، وأغرب
ابن حزم، فقال: يحرم المشي بين القبور بالنعال السبتية، دون غيرها، وهو
جمود شديد.
وأما قول الخطابيّ: يشبه أن يكون النهي عنهما لِمَا فيهما من الخُيَلاء،
فإنه متعقَّب بأن ابن عمر كان يلبس النعال السبتية، ويقول: إن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان
يلبسها، وهو حديث متّفقٌ عليه.
وقال الطحاويّ: يُحمل نهي الرجل المذكور على أنه كان في نعليه قَذَر،
فقد كان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يصلي في نعليه ما لم ير فيهما أذى. انتهى (?).