الوجهين في قوله تعالى: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ} [الزمر: 60]؛
أي: ووجوههم، على أن الرؤية بمعنى الإبصار، ونحو
كلّمته فوه إلى فيّ، أو يكون جوابًا للشرط على إضمار الفاء، فيكون "أتاه" حالًا
من فاعل "ليسمع"، و"قد" مقدّرة، ويَحْتَمِل أن تكون "إذا" ظرفًا مجرّدًا، وقوله:
"إنه" تأكيد لقوله "إن العبد"، كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30)} [الكهف: 30] في أحد الوجهين. انتهى (?).
(فِي قَبْرِهِ، وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ، إِنَّهُ لَيَسْمَعُ) وفي رواية للبخاريّ: "وإنه
ليسمع قرع نعالهم" بالواو. (قَرْعَ نِعَالِهِمْ") "القرع" بفتح القاف، وسكون الراء:
هو الدقّ، و"النعال" بكسر النون، جمع نعل؛ أي: يسمع صوت دقها، وفيه
دلالة على حياة الميت في القبر؛ لأن الإحساس بدون الحياة ممتنع عادة. وفيه
دليل على جواز المشي بالنعال في القبور؛ لكونه - صلى الله عليه وسلم - قاله، وأقرّه، فلو كان
مكروهًا لبيَّنه، لكن يعكر عليه احتمال أن يكون المراد: سماعه إياها بعد أن
يجاوزوا المقبرة. قال الشوكانيّ -رحمه الله-: سماع الميت خفق النعال لا يستلزم
المشي على قبر، أو بين القبور. انتهى.
وأيضًا يجوز أنه - صلى الله عليه وسلم - ذكر ذلك على عادات الناس، فلا يلزم من هذه
الحكاية من غير إنكار تقرير مشيهم بها.
ويدل على الكراهة حديث الأمر بإلقاء السبتيتين للماشي بين القبور عند
أبي داود، والنسائيّ، وابن ماجه، لكن يَحْتَمِل أن أمْره بالخلع كان لِقَذَر بهما،
كما قال الطحاويّ، أو لاختياله في مشيه كما قال الخطابيّ، لا لكون المشي
بين القبور بالنعال مكروهًا، ولا يتم الاستدلال به على الكراهة إلا إذا قيل: إن
الأمر بالخلع كان احترامًا للمقابر.
ومال النسائي إلى الجمع بين الحديثين بحمل حديث أنس هذا على غير
السبتيتين، والكراهة إنما هي في النعال السبتية، واختاره ابن حزم.
قال صاحب "المرعاة": قلت: حديث أنس يدل بإطلاقه على جواز
المشي بين القبور في النعال السبتيتين وغيرها؛ لعدم الفارق بينها وبين غيرها،