التي ماتوا فيها، ثم تتناثر عنهم عند ابتداء الحشر، فيُحشرون عُراة، ثم يكون
أول من يكسى إبراهيم -عليه السلام-.
وحَمَل بعضهم حديث أبي سعيد على الشهداء؛ لأنهم الذين أُمر أن
يُزَمَّلوا في ثيابهم، وفدفنوا فيها، فيَحتمل أن يكون أبو سعيد سمعه في الشهيد،
فحمله على العموم، وممن حمله على عمومه معاذ بن جبل -رضي الله عنه-، فأخرج ابن
أبي الدنيا بسند حسن، عن عمرو بن الأسود، قال: "دفنّا أم معاذ بن جبل،
فأَمر بها، فكُفنت في ثياب جدد، وقال: أحسنوا أكفان موتاكم، فإنهم يُحشرون
فيها"، قال: وحمله بعض أهل العلم على العمل، وإطلاق الثياب على العمل
وقع في مثل قوله تعالى: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف: 26]، وقوله
تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)} [المدثر: 4] على أحد الأقوال، وهو قول قتادة، قال:
معناه: وعملك فأخلصه، ويؤكد ذلك حديث جابر -رضي الله عنه-، رفعه: "يُبعث كل
عبد على ما مات عليه"، أخرجه مسلم، وحديث فَضالة بن عبيد: "من مات
على مرتبة من هذه المراتب بُعث عليها يوم القيامة" الحديث، أخرجه أحمد.
ورجح القرطبيّ الحمل على. ظاهر الخبر، ويتأيد بقوله تعالى: {وَلَقَدْ
جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام: 94]، وقوله تعالى: {كَمَا بَدَأَكُمْ
تَعُودُونَ} [الأعراف: 29]، وإلى ذلك الإشارة في حديث ابن عبّاس الآتي بذكر
قوله تعالى: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} [الأنبياء: 104] عقب قوله: "حفاةً،
عُراة"، قال: فيُحمل ما دلّ عليه حديث أبي سعيد على الشهداء؛ لأنهم يُدفنون
بثيابهم، فيُبعثون فيها تمييزًا لهم عن غيرهم، وقد نقله ابن عبد البرّ عن أكثر
العلماء، ومن حيث، النظر أن الملابس في الدنيا أموال، ولا مال في الآخرة
مما كان في الدنيا، ولأن الذي يقي النفس مما تكره في الآخرة ثواب بحسن
عملها، أو رحمة مبتدَأة من الله، وأما ملابس الدنيا فلا تغني عنها شيئًا، قاله
الحليميّ. وذهب الغزالي إلى ظاهر حديث أبي سعيد، وأورده بزيادة لم أجد لها
أصلًا، وهي: "فإن أمتي تُحشر في أكفانها، وسائر الأمم عراة"، قال القرطبيّ:
إن ثبت حُمل على الشهداء من أمته، حتى لا تتناقض الأخبار. انتهى (?).