التأديب بالضرب اليسير، بحيث لا يحصل منه النفور التام، فلا يُفرِط في
الضرب، ولا يُفَرِّط في التأديب (?).
5 - (ومنها): ما قاله المهلّب رحمه اللهُ: بَيَّن - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "جلد العبد" أن
ضرب الرقيق فوق ضرب الحرّ؛ لتباين حالتيهما، ولأن ضرب المرأة إنما أبيح
من أجل عصيانها زوجها فيما يجب من حقّه عليها. انتهى.
وقد جاء النهي عن ضرب النساء مطلقًا، فعند أحمد، وأبي داود،
والنسائيّ، وصححه ابن حبان، والحاكم، من حديث إياس بن عبد الله بن أبي
ذُباب -بضم المعجمة، وبموحدتين، الأُولى خفيفة-: "لا تضربوا إماء الله،
فجاء عمر، فقال: قد ذئر النساء على أزواجهنّ، فأَذِن لهم، فضربوهنّ، فأطاف
بآل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساء كثير، فقال: لقد أطاف بآل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبعون امرأة، كلهنّ يشكين أزواجهنّ، ولا تجدون أولئك خياركم"، وله شاهد من
حديث ابن عباس في "صحيح ابن حبان"، وآخر مرسل من حديث أم كلثوم
بنت أبي بكر، عند البيهقيّ.
وقوله: "ذَئِر" بفتح المعجمة، وكسر الهمزة، بعدها راء؛ أي: نَشَز،
بنون، ومعجمة، وزاي، وقيل: معناه: غضب، واستبّ.
قال الشافعيّ: يَحْتَمِل أن يكون النهي على الاختيار، والإذن فيه على
الإباحة، ويَحْتَمِل أن يكون قبل نزول الآية بضربهنّ، ثم أُذن بعد نزولها فيه.
وفي قوله: "لن يضرب خياركم" دلالة على أن ضربهن مباح في الجملة،
ومحل ذلك أن يضربها تأديبًا إذا رأى منها ما يكره، فيما يجب عليها فيه
طاعته، فإن اكتفى بالتهديد ونحوه كان أفضل، ومهما أمكن الوصول إلى
الغرض بالإيهام لا يُعدل إلى الفعل؛ لِمَا في وقوع ذلك من النفرة المضادّة
لحسن المعاشرة المطلوبة في الزوجية، إلا إذا كان في أمر يتعلق بمعصية الله
تعالى.
وقد أخرج النسائيّ حديث عائشة - رضي الله عنها -: "ما ضَرَب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امرأة له، ولا خادمًا قط، ولا ضرب بيده شيئًا قط، إلا في سبيل الله، أو تُنتهك