وهذا الحديث مشتمل على ثلاثة أحاديث، أحدها قصّة الناقة، وقد تقدّم،
وثانيها ما أشار إليه بقوله:
(ثُمَّ ذَكَرَ) النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في خطبته تلك (النِّسَاءَ)؛ أي: ذكر ما يتعلق بأمور
النساء؛ استطرادًا إلى ما يقع من أزواجهنّ، (فَوَعَظَ)؛ أي: وعظ الأزواج
(فِيهِنَّ)؛ أي: في شأن معاشرتهنّ، وأوصاهم بهنّ، كما قال في خطبة حجة
الوادع في حديث جابر الطويل، عند مسلم، وأحمد، وغيرهما: "فاتقوا الله في
النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم
عليهنّ أن لا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن ذلك، فاضربوهنّ ضربًا
غير مُبَرِّح، ولهنّ عليكم رزقهنّ، وكسوتهنّ بالمعروف"، هذا لفظ مسلم، ولفظ
أحمد: "فاتقوا الله عزَّ وجلَّ في النساء، فإنهن عندكم عَوَانٌ، لا يملكن لأنفسهنّ
شيئًا، وإن لهنّ عليكم، ولكم عليهن حقًّا، أن لا يوطئن فرشكم أحدًا غيركم،
ولا يأذنّ في بيوتكم لأحد تكرهونه، فإن خفتم نشوزهنّ، فعظوهنّ، واهجروهنّ
في المضاجع، واضربوهن ضربًا غير مبرح ... " الحديث.
(ثُمَّ قَالَ) - صلى الله عليه وسلم -: ("إِلَامَ) هي "إلى" الجارّة دخلت على "ما" الاستفهاميّة،
فحُذفت ألفها تخفيفًا، كما قال في "الخلاصة":
وَ"مَا" فِي الاسْتِفْهَامِ إِنْ جُرَّتْ حُذِفْ ... أَلِفُهَا وَأَوْلهَا الْهَا إِنْ تَقِفْ
وَلَيْسَ حَتْمًا فِي سِوَى مَا انْخَفَضَا ... بِاسْمٍ كَقَوْلِكَ "اقْتِضَاءَ مَا اقْتَضَى"
فـ "إلى" بمعنى "على"، لأنه وقع في رواية بلفظ: "علام يجلد"،
والمعنى: على أيّ شيء (يَجْلِدُ) بفتح أوله، وكسر ثالثه، يقال: جلدت الجاني
جَلْدًا، من باب ضرب: إذا ضربته بالْمِجْلَد، بكسر الميم، وهو السوط،
الواحدة جَلْد@لا، مثلُ ضَرْبٍ، وضَرْبة، قاله الفيّوميّ (?).
(أَحَدُكُمُ امْرَآلهُ ")، وقوله: (وَيي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ) بيان لاختلاف شيخيه،
أبي بكر بن أبي شيبة، وأبي كريب، فقال ابن أبي شيبة في روايته: ("جَلْدَ
الأَمَةِ") بنصب "جلدَ" على أنه مفعول مطلق لـ "يجلد" نوعيّ، كما قال في
"الخلاصة":