يقول الله تعالى: الآن أخرجوا بعلمي وحِلمي، فيخرج أضعاف ما أخرجوا
وأضعافه"، فقوله تعالى: "بعلمي" يدل على أنه عَلِم قومًا في قلوبهم الخير، لم
تعلمهم الملائكة.
وَهَبْ أنا ساعدناه، وأن تعالى أخرج قومًا من الكفار من النار، أين هذا
من محل النزاع، وهو فناء النار، وإدخال من كان فيها من الكفار الجنة؟ .
ثم قال شيخ الإسلام مستدلًّا أيضًا:
إن العبد إذا اعترف بذنوبه حقيقة الاعتراف المتضمن لنسبة السوء
والظلم واللوم إليه، والحمد والرحمة والكمال المطلق لربه، وفي كل وقت
يستعطف ربه، ويستدعي رحمته، وإذا أراد الله أن يرحم عبده ألقى ذلك في
قلبه، لا سيما إذا اقترن بذلك عَزْم العبد على ترك المعاودة، وعَلِم الله ذلك
من داخل قلبه، وسويدائه، فإنه لا يختلف عن الرحمة، فإذا علمت تلك
النفوس الخبيثة أن العذاب أَولى لها، وأنه لا يليق بها سواه، ولا تصلح إلا
له، فقد ذابت تلك الخبائث، وتلاشت، وتبدَّلت، وبذلّ وانكسار وثناء على
رب العالمين -تبارك وتعالى- لم يكن في حكمته أن يستمرّ العذاب بعد
ذلك؛ إذ قد تبدّل شرّها بخيرها، وشِركها بتوحيدها، وكِبْرها بخضوعها
وذُلّها.
وأقول: قال الله تعالى مخبرًا عن المشركين واعترافهم المذكور: {وَقَالُوا
لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ
السَّعِيرِ (11)} [الملك: 10، 11] فهذا نص في اعترافهم الاعتراف الحقيقي، فإنه
لا يُطلق تعالى على ما ليس باعتراف أنه اعتراف، ثم قال: {فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ
السَّعِيرِ} [الملك: 11]؛ أي: بُعْدًا لهم عن الرحمة، والإغاثة، والغفران، فهذا
نصّ فى وجه هذا القول الذي قاله تظنّنًا، وقال تعالى لمّا قالوا وهم في دركات
النار: {أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} [المؤمنون: 107]، فاعترفوا بظلمهم،
وأخبروا عن عزيمتهم أنهم لا يعودون؛ أي: إن عدنا إلى ما كنا فيه من الكفر
والتكذيب، كما يفيده لفظ العود، ولم يجب عليهم تعالى إلا بقوله: {اخْسَئُوا
فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: 108].