قال ابن بطال: وهذا المعنى أراد البخاري رحمه الله في "كتاب الإيمان"، وعليه بوّب أبوابه كلها، فقال: "باب أمور الإيمان"، و"بابٌ الصلاةُ من الإيمان"، و"بابٌ الزكاةُ من الإيمان"، و"بابٌ الجهادُ من الإيمان"، وسائر أبوابه، وإنما أراد الردّ على المرجئة في قولهم: إن الإيمان قول بلا عمل، وتبيينُ غلطهم، وسوء اعتقادهم، ومخالفتهم للكتاب والسنّة، ومذاهب الأئمة. ثم قال ابن بطال في باب آخر: قال المهلب: الإسلام على الحَقيقة هو الإيمان، الذي هو عقد القلب، المصدق لإقرار اللسان، الذي لا ينفع عند الله تعالى غيره. وقالت الكرامية وبعض المرجئة: الإيمان هو الإقرار باللسان، دون عقد القلب، ومن أقوى ما يُرَدّ به عليهم إجماعُ الأمة على إكفار المنافقين، وإن كانوا قد أظهروا الشهادتين، قال الله تعالى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ}، إلى قوله تعالى: {وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة: 84 - 85]، هذا آخر كلام ابن بطال.

وقال الشيخ الإمام أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلًا، والإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره"، قال: هذا بيان لأصل الإيمان، وهو التصديق الباطن، وبيان أصل الإسلام، وهو الاستسلام والانقياد، وحكم الإسلام في الظاهر ثبت بالشهادتين، وإنما أضاف إليهما الصلاة، والزكاة، والحج، والصوم؛ لكونها أظهر شعائر الإسلام، وأعظمها، وبقيامه بها يتم استسلامه، وتركه لها يُشعر بانحلال قيد انقياده، أو اختلاله، ثم إن اسم الإيمان يتناول ما فُسر به الإسلام في هذا الحديث، وسائر الطاعات؛ لكونها ثمرات للتصديق الباطن، الذي هو أصل الإيمان، ومقويات، ومتمِّمات، وحافظات له، ولهذا فسر - صلى الله عليه وسلم - الإيمان في حديث وفد عبد القيس، بالشهادتين، والصلاة، والزكاة، وصوم رمضان، وإعطاء الخمس من المغنم، ولهذا لا يقع اسم المؤمن المطلق، على من ارتكب كبيرة، أو بدل فريضة؛ لأن اسم الشيء مطلقًا، يقع على الكامل منه، ولا يستعمل في الناقص ظاهرًا إلا بقيد، ولذلك جاز إطلاق نفيه عنه في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يسرق السارق حين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015