({مَا أُخْفِيَ لَهُمْ}) قرأ الجمهور: "أخفي" بالتحريك، على البناء للمفعول،
وقرأ حمزة بالإسكان، فعلًا مضارعًا مسندًا للمتكلم، ويؤيده قراءة ابن مسعود:
"نُخفي" بنون العظمة، وقرأها محمد بن كعب: "أَخْفَى" بفتح أوله، وفتح الفاء،
على البناء للفاعل، وهو الله تعالى، ونحوها قراءة الأعمش: "أخفيت". وذكر
البخاريّ في آخر الباب أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قرأ: "قرّات أعين" بصيغة الجمع،
وبها قرأ ابن مسعود أيضًا، وأبو الدرداء، قال أبو عبيدة: ورأيتها في المصحف
الذي يقال له "الإمام": "قُرّة" بالهاء، على الوحدة، وهي قراءة أهل الأمصار.
انتهى (?).
({مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ})؛ أي: مما تقرّ به أعينهم، قال في "الكشّاف" (?): لا
تعلم النفوس كلهنّ، ولا نفس واحدة منهنّ، ولا ملَك مقرب، ولا نبيّ مرسل،
أيّ نوع عظيم من الثواب ادّخر الله تعالى لأولئك، وأخفاه من جميع خلائقه،
لا يعلمه إلا هو، مما تَقَرّ به عيونهم، ولا مزيد على هذه الْعِدَةِ، ولا مطمح
وراءها.
وفي "شرح السُّنَّة": يقال: أقرّ الله عينك، ومعناه: بَرّد الله دمعتها؛ لأن
دمعة الفرح باردة، حكاه الأصمعيّ، وقال غيره: معناه: بَلّغك الله أمنيتك،
حتى ترضى به نفسك، وتَقَرّ عينك، فلا تستشرف إلى غيره، قال الطيبيّ رحمه اللهُ:
فعلى هذا: الأولُ من القرّة، بمعنى البَرْد، والثاني من القرار. انتهى (?).
وقوله: ({جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}) منصوب على أنه مفعول مطلق لعامل
محذوف؛ أي: جُوْزوا ذلك جزاءً، أو مفعول لأجله، معمول لـ"أخفي"؛ أي:
أُخفي لهم لأجل جزائهم بما كانوا يعملونه في الدنيا.
[تنبيه]: زعم بعضهم أن قراءة الآية من قول أبي هريرة -رضي الله عنه-، لا
المرفوع، وسياق مسلم يرُدّه (?)، والله تعالى أعلم.