المحيط به الذي لا يتوصّل إلى ذلك الشيء إلا بعد أن يُتَخَطَّى، وفائدة هذا

التمثيل أن الجنة لا تُنال إلا بقطع مفاوز المكاره، وبالصبر عليها، وأن النار لا

يُنجى منها إلا بترك الشهوات، وفطام النفس عنها، وقد رُوي عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه مثّل

طريق الجنة، وطريق النار بتمثيل آخر، فقال: "طريق الجنة حَزَنٌ بربوة، وطريق

النار سهل بسهوة" (?)، والحَزَن: هو الطريق الوعر المسلك، والربوة: المكان

المرتفع، وأراد به أعلى ما يكون من الروابي، والسهوة: بالسين المهملة، وهي

الموضع السهل الذي لا غِلَظ فيه، ولا وعورة، وهذا أيضًا تمثيل حَسَن واقع

موقعه. انتهى (?).

وقال في "الفتح": هذا من جوامع كلمه -صلى الله عليه وسلم-، وبديع بلاغته في ذمّ

الشهوات، وإن مالت إليها النفوس، والحضّ على الطاعات، وإن كرهتها

النفوس، وشقّ عليها.

وقد ورد إيضاح ذلك من وجه آخر، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، فأخرج أبو

داود، والترمذيّ، والنسائيّ، وابن حبان، والحاكم، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-،

رفعه: "لمّا خلق الله الجنة والنار أرسل جبريل إلى الجنة، فقال: انظر إليها،

قال: فرجع إليه، فقال: وعزّتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها، فأَمر بها،

فحُفَّت بالمكاره، فقال: ارجع إليها، فرجع، فقال: وعزتك لقد خِفت أن لا

يدخلها أحد، قال: اذهب إلى النار، فانظر إليها، فرجع، فقال: وعزتك لا

يسمع بها أحد، فيدخلها، فأَمر بها، فحُفّت بالشهوات، فقال: ارجع إليها،

فرجع، فقال: وعزتك لقد خشيت أن لا ينجو منها أحد"، فهذا يفسِّر حديث

الباب، فإن المراد بالمكاره هنا ما أُمر المكلف بمجاهدة نفسه فيه فعلًا،

وتركًا؛ كالإتيان بالعبادات على وجهها، والمحافظة عليها، واجتناب المنهيات

قولًا وفعلًا، وأطلق عليها المكاره؛ لمشقتها على العامل، وصعوبتها عليه،

ومن جملتها الصبر على المصيبة، والتسليم لأمر الله فيها، والمراد بالشهوات:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015