(فَقِيلَ لَهُ) لم يسمّ القائل، ويَحتمل أن تكون عائشة -رضي الله عنها-، كما سيأتي في
حديثها. (أَتَكَلَّفُ هَذَا) هكذا بحذف التاء، أصله أتتكلّف، فحُذفت إحداهما؛
تخفيفًا، كما في "الخلاصة":
وَمَا بِتَاءَيْنِ ابْتُدِي قَدْ يُقْتَصَرْ ... فِيهِ عَلَى تَا كَـ"تَبَيَّنُ الْعِبَرْ"
(وَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ) وفي بعض النسخ: "وقد غُفر لك"، بالبناء للمفعول،
(مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ، وَمَا تَأَخَّرَ) وفي حديث عائشة الآتي: "فقالت له عائشة: لِمَ
تصنع هذا يا رسول الله، وقد غفر الله لك؟ "، وفي حديث أبي هريرة عند
البزار: "فقيل له: تفعل هذا، وقد جاءك من الله أن قد غفر لك؟ ".
(فَقَالَ) -صلى الله عليه وسلم-: ("أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا") قال القاضي رحمه الله: الشكر معرفة
إحسان المحسن، والتحدث به، وسمّيت المجازاة على فعل الجميل شكرًا؛
لأنها تتضمن الثناء عليه، وشكر العبد لله تعالى: اعترافه بنعمه، وثناؤه عليه،
وتمام مواظبته على طاعته، وأما شكر الله تعالى أفعال عباده: فمجازاته إياهم
عليها، وتضعيف ثوابها، وثناؤه بما أنعم به عليهم، فهو المعطي، والمثني سبحانه وتعالى،
والشكور من أسمائه سبحانه وتعالى بهذا المعنى. انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي ذكره القاضي في معنى شكر الله عباده
ليس هو معنى الشكر، وإنما هو ثمراته، وإلا فمعناه: أن يشكر الله تعالى عبده
بالقول في الملأ الأعلى، كما ثبت في الحديث الآخر: "وإن ذكرني في ملأ
ذكرته في ملأ خير من ملئه"، وكما يقول الله تعالى للواقفين في عرفة، ففي
"صحيح ابن خزيمة" من حديث جابر -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا كان
يوم عرفة إن الله ينزل إلى السماء، فيباهي بهم الملائكة، فيقول: انظروا إلى
عبادي أتوني شُعْثًا غُبْرًا ضاحين، من كل فج عميق، أُشهدكم أني قد غفرت
لهم ... " الحديث (?).
والحاصل: أن شُكر الله عز وجل لعباده شُكر بالقول وغيره، فتنبّه، والله تعالى
أعلم.
وقال في "الفتح": والفاء في قوله: "أفلا أكون" للسببية، وهي عن