التسديد: هو إصابة الغرض المقصود، وأصله من تسديد السهم: إذا أصاب

الغرض المرمِيّ إليه، ولم يخطئه، والمقاربة: أن يقارب الغرض، وإن لم

يصبه؛ لكن يكون مجتهدًا على الإصابة، فيصيب تارةً، ويقارب تارة أخرى، أو

تكون المقاربة لمن عجز عن الإصابة، كما قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}

[التغابن: 16]، وقال النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم".

وفي "المسند" و"سنن أبي داود"، عن الحكم بن حزن الكلفي أنه سمع

النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يقول على المنبر يوم الجمعة: "أيها الناس إنكم لن تطيقوا -أو لن

تفعلوا- كل ما أمرتكم؛ ولكن سددوا، وأبشروا".

وقيل: أراد بالتسديد: العمل بالسداد -وهو القصد، والتوسط في

العبادة-، فلا يُقَصِّر فيما أُمر به، ولا يتحمل منها ما لا يطيقه.

قال النضر بن شُميل: السداد: القصد في الدِّين والسبيل، وكذلك

المقاربة المراد بها: التوسط بين التفريط والإفراط، فهما كلمتان بمعنى واحد،

وقيل: بل المراد بالتسديد: التوسط في الطاعات بالنسبة إلى الواجبات،

والمندوبات، وبالمقاربة: الاقتصار على الواجبات، وقيل فيهما غير ذلك.

وقوله: (أبشروا)؛ يعني: أن من قَصَد المراد، فليُبْشِر. انتهى (?).

(فَإِنَّهُ) الفاء للتعليل، والضمير للشأن، أي: لأن الشأن والأمر (لَنْ

يُدْخِلَ) بضمّ أوله، من الإدخال، مبنيًّا للفاعل، (الْجَنَّةَ أَحَدًا عَمَلُهُ) مرفوع على

الفاعليّة، (قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "وَلَا أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللهُ مِنْهُ

بِرَحْمَةٍ) قد تقدّم شرح هذه الجملة، فلا حاجة إلى إعادته. (وَاعْلَمُوا أَنَّ أَحَبَّ

الْعَمَلِ إِلَى اللهِ أَدْوَمُهُ، وَإِنْ قَلَّ") قال النوويّ رحمه اللهُ: لأن بدوام القليل تستمرّ

الطاعة بالذكر، والمراقبة، والإخلاص، والإقبال على الله، بخلاف الكثير

الشاقّ حتى ينمو القليل الدائم، بحيث يزيد على الكثير المنقطع أضعافًا كثيرةً.

وقال ابن الجوزيّ رحمه اللهُ: إنما أحب الدائم لمعنيين:

أحدهما: أن التارك للعمل بعد الدخول فيه؛ كالمُعْرِض بعد الوصول،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015