قال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: قوله (?): "لو أن لك ما في الأرض جميعاً"؛ أي: لو

ثبت؛ لأن "لو" يقتضي الفعل الماضي، وإذا وقعت "أنّ" المفتوحة بعد "لو"

كان حذف الفعل واجباً؛ لأن ما في "أنّ" من معنى التحقيق والثبات منزّل منزلة

ذلك الفعل المحذوف.

وقوله: "أردت منك" ظاهر هذا الحديث موافق لمذهب المعتزلة، فإن

المعنى: أردت منك التوحيد، فخالفت مرادي، وأتيت بالشرك، وقال المظهر:

الإرادة هنا بمعنى الأمر، والفرق بين الأمر والإرادة: أن ما يجري في العالم لا

محالة كائن بإرادته -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ومشيئته، وأما الأمر فقد يكون مخالفاً لإرادته ومشيئته.

قال الطيبيّ: توضيحه: أن الأمر بالإيمان توجه على عامة المكلفين،

وتعلقت مشيئة الإيمان ببعضهم، وإرادة الكفر ببعضهم، ولذا قال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى} [الأنعام: 35] وقال سبحانه: {وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [البقرة: 253] وقال: {لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا} [الرعد: 31]، وقال: {فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ} [الأعراف: 30].

قال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: الأظهر أن تُحمل الإرادة هنا على أخذ الميثاق في قوله

تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الأعراف: 172] الآية

بقرينة قوله: "وأنت في صلب آدم"، فقوله: "أبيت إلا أن تشرك بي" إشارة إلى

قوله تعالى: {أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ} [الأعراف: 173] ويُحمل الآباء

هنا على نقض العهد، وقوله: "إلا تشرك" استثناء مفرغّ، وإنما حذف المستنثى

منه مع أنه كلام موجب، لأن في الإباء معنى الامتناع، فيكون نفياً؛ أي: ما

اخترت إلا الشرك. انتهى.

قال القاري: وهو كلام حسن، إلا أن إطلاق الإرادة، وإرادة أخذ

الميثاق يحتاج إلى بيان يدفع به ما تقدم من الإيراد، والله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أعلم. انتهى (?).

(وَأَنْتَ فِي صُلْبِ آدَمَ) جملة حاليّة من قوله: "منك"، وقوله: (أَنْ لَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015