{يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ}، (تَجِيءُ) فيما بعدُ؛ أي: إنها لم تمض،
(فَتَأْخُذُ) تلك الآية؛ يعني: الدخان، (بِأَنْفَاسِ الْكُفَّارِ) جمع نفسى، بفتحتين،
أي: تقبض أرواحهم، وتُهلكهم، (وَيَأْخُذُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ)؛ أي: من ذلك
الدخان، (كَهَيْئَةِ الزُّكَامِ)، أي: مثل صفة الزكام، بالضمّ المرض المعروف.
وفي رواية للبخاريّ في تفسير "سورة الروم": "بينما رجل يحدّث في
كندة، فقال: يجيء دخان يوم القيامة، فيأخذ بأسماع المنافقين، وأبصارهم،
يأخذ المؤمن كهيئة الزكام".
وحاصل ما قاله: أنه فسّر الدخان في قوله تعالى: {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} وفذكر أن آية الدخان لم تأت بعدُ، وإنما تأتي عند قرب القيامة،
فتأخذ بأنفاس الكفّار، ولا يصيب المؤمنين منها إلا مرض يسير، كهيئة
الزكام (?)، فلما سمع ابن مسعود ما قاله أنكر عليه، كما بيّنه بقوله:
(فَقَالَ عَبْدُ اللهِ) بن مسعود - رضي الله عنه - (وَ) الحال أنه قد (جَلَسَ) إذ كان متّكئاً،
وقوله: (وَهُوَ غَضْبَانُ) جملة حاليّة أيضاً، كما قال في "الخلاصة":
وَالْحَالُ قَدْ يَجِيءُ ذَا تَعَدُّدِ ... لِمُفْرَدٍ فَاعْلَمْ وَغَيْرِ مُفْرَدِ
وهما إما مترادفان، أو متداخلان. (يَا إلُّهَا افَّماسُ اتَّقُوا اللهَ) أن تقولوا ما
لا علم لكم به، فقد حذّر الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- منه، قال الله -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116)} [النحل: 116]، وقال: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33)} [الأعراف: 33].
(مَقْ عَلِمَ مِنْكُمْ شَيْئاً) مما قال الله تعالى، ورسوله - صلى الله عليه وسلم - (فَلْيَقُلْ)، أي:
فليتكلم، وليخبر الناس (بِمَا يَعْلَمُ) من ذلك، (وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ) شيئاً من ذلك
(فَلْيَقُلِ) بكسر اللام، للالتقاء الساكنين، (اللَّهُ أَعْلَمُ، فَإِنَّهُ) الضمير للشأن، كما
قال في "الكافية":
وَمُضْمَرُ الشَّأْنِ ضَمِيرٌ فُسِّرَا ... بِجُمْلَةٍ كَـ "إِنَّهُ زيدٌ سَرَى"