الشرطية الأولى بجوابها المحذوف المدلول عليه بالمذكور، و {أَرَأَيْتَ} في
الموضعين تكرير للتأكيد. وقيل كل واحدة من {أَرَأَيْتَ} بدل من الأُولى، و {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14)} الخبر (?).
{أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14)}؛ أي: يَطّلع على أحواله، فيجازيه بها، فكيف
اجترأ على ما اجترأ عليه؟ والاستفهام للتقريع والتوبيخ.
{كَلَّا} ردع للناهي، واللام في قوله: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ} هي الموطئة
للقسم، أي: والله لئن لم ينته عما هو عليه، ولم ينزجر، {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ} السفع: الجذب الشديد، والمعنى: لنأخذنّ بناصيته، ولنجرّنه إلى النار، وهذا
كقوله تعالى: {فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ} [الرحمن: 41]، ويقال: سفعت الشيء:
إذا قبضته، وجذبته، ويقال: سفع بناصية فرسه، قال الراغب: السفع الأخذ
بسفعة الفرس؛ أي: بسواد ناصيته، وباعتبار السواد: قيل: به سفعة غضب؛
اعتباراً بما يعلو من اللون الدخاني وجه من اشتدّ به الغضب، وقيل للصقر:
أسفع؛ لِمَا فيه من لَمْع السواد، وامرأة سفعاء اللون. انتهى.
وقيل: هو مأخوذ مِن سفعت النارُ، والشمسُ: إذا غيَّرت وجهه إلى
سواد، ومنه قول الشاعر [من الطويل]:
أَثَافيّ سُفْعاً (?) فِي مُعَرَّسِ مِرْجَلٍ ......................
وقوله: {نَاصِيَةٍ} بدل من الناصية، وإنما أبدل النكرة من المعرفة؛
لوصفها بقوله: {كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} وهذا على مذهب الكوفيين، فإنهم لا يجيزون
إبدال النكرة من المعرفة، إلا بشرط وصفها، وأما على مذهب البصريين،
فيجوز إبدال النكرة من المعرفة، وأنشدوا [من الوافر]:
فَلَا وَأَبِيكَ خَيْرٍ مِنْكَ إِنّي ... لَيُؤذِينِي التَّحَمْحُمُ وَالصَّهِيلُ
وقرأ الجمهور بجرّ: {نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16)} والوجه ما ذكرنا، وقرأ
الكسائي في رواية عنه برفعها على إضمار مبتدأ؛ أي: هي ناصية، وقرأ أبو
حيوة، وابن أبي عَبْلة، وزيد بن عليّ بنصبها على الذمّ.