وَالْعُزَّى) أقسم بصنميه قائلاً: (لَئِنْ رَأَيْتُهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ)؛ أي: يصلي، ويعفّر
وجهه لله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-. (لأَطَأَنَّ)؛ أي: لأدوسنّ (عَلَى رَقَبَتِهِ) الشريفة التي أعزّها الله
تعالى، وأعلاها على جميع الرقاب المنيفة - صلى الله عليه وسلم -، (أَوْ) إن لم أفعل هذا
(لأُعَفِّرَنَّ)، أي: لأمرّغنّ (وَجْهَهُ) الشريف الذي أكرمه الله تعالى على جميع
الوجوه من كلّ شريف - صلى الله عليه وسلم - (فِي الترَابِ، قَالَ) أبو هريرة - رضي الله عنه -: (فَأَتَى) أبو جهل
اللعين (رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -)، وقوله: (وَهُوَ يُصَلِّي) جملة حاليّة من المفعول،
والحال من الفاعل قوله: (زَعَمَ) بفتحتين، من باب نصر؛ أي: قصد أبو جهل
بظنّه الباطل، قال القاري: وفي نسخة (?): زَعِمَ بكسر العين، ففي "القاموس":
زَعِمَ، كفَرِحَ: طَمِعَ (?).
وقال الطيبيّ: "زعم" وقع حالاً من الفاعل، بعد الحال من المفعول،
و"زعم" بمعنى طمع، وأراد، قال في "أساس البلاغة": ومن المجاز: زعم فلان
في غير مَزعَم: طَمِع في غير مَطْمَع؛ لأن الطامع زاعم ما لم يستيقن. انتهى (?).
وقال الفيّوميّ -رَحِمَهُ اللهُ-: زَعَمَ زَعْماً، من باب قَتَل، وفي الزَّعْمِ ثلاث لغات:
فتح الزاي للحجاز، وضمّها لأسد، وكَسْرها لبعض قيس، ويُطلق بمعنى القول،
ومنه زَعَمَتِ الحنفية، وزَعَمَ سيبويه، أي: قال، وعليه قوله تعالى: {أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ} [الإسراء: 92]؛ أي: كما أخبرت، وُيطلق على الظنّ، يقال:
في زَعْمِي كذا، وعلى الاعتقاد، ومنه قوله تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا} [التغابن: 7]. قال الأزهريّ: وأكثر ما يكون الزَّعْمُ فيما يُشكّ فيه، ولا يُتحقّق،
وقال بعضهم: هو كناية عن الكذب، وقال المرزوقيّ: أكثر ما يُستعمل فيما
كان باطلاً، أو فيه ارتياب، وقالى ابن الْقُوطيّة: زَعَمَ زَعْماً: قال خبراً لا يُدرَى
أحقٌّ هو، أو باطل؟ قال الخطابيّ: ولهذا قيل: زَعَمَ مَطِيَّةُ الكَذِبِ، وزَعَمَ غَيْرَ
مَزْعَمٍ: قال غير مقول صالح، وادّعى ما لم يمكن. انتهى (?).
قال الجامع عفا الله عنه: "زعم" هنا مستعمَل في الباطل، والظنّ الفاسد،
كما لا يخفى، والله تعالى أعلم.