وقد وردت الأحاديث أيضًا بوزن الأعمال أنفسها، كما في "صحيح
مسلم"، عن أبي مالك الأشعريّ، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الطُّهور شطر
الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان".
وفي "الصحيح"، وهو خاتمة كتاب البخاريّ، قوله -صلى الله عليه وسلم-: "كلمتان خفيفتان
على اللسان، حبيبتان إلى الرحمن، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده،
سبحان الله العظيم".
وروى الحافظ أبو بكر البيهقيّ، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-،
قال: "يؤتى بابن آدم يوم القيامة، فيوقف بين كفتي الميزان، ويوكل به ملك،
فإن ثَقُل ميزانه، نادى الملك بصوت يسمع الخلائق: سَعِد فلان سعادة لا يشقى
بعدها أبدًا، وإن خف ميزانه، نادى الملك بصوت يسمع الخلائق: شَقِي فلان
شقاوة لا يسعد بعدها أبدًا".
فلا يُلتفت إلى ملحد معاند يقول: الأعمال أعراض لا تقبل الوزن، وإنما
يقبل الوزن الأجسام، فإن الله يقلب الأعراض أجسامًا، كما تقدم، وكما روى
الإمام أحمد، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يؤتى بالموت
كبشًا أغرّ، فيوقف بين الجنة والنار، فيقال، يا أهل الجنة، فيشرئبّون وينظرون،
ويقال: يا أهل النار، فيشرئبّون وينظرون، ويرون أن قد جاء الفرج، فيُذبح،
ويقال: خلود لا موت" (?)، ورواه البخاري بمعناه.
فثبت وزن الأعمال، والعامل، وصحائف الأعمال، وثبت أن الميزان له
كفتان. والله تعالى أعلم بما وراء ذلك من الكيفيات.
فعلينا الإيمان بالغيب، كما أخبرنا الصادق -صلى الله عليه وسلم-، من غير زيادة ولا
نقصان. ويا خيبة من ينفي وضع الموازين القسط ليوم القيامة كما أخبر
الشارع؛ لخفاء الحكمة عليه، ويقدح في النصوص بقوله: لا يحتاج إلى
الميزان إلا البقّال والفَوّال، وما أحراه بأن يكون من الذين لا يقيم الله لهم يوم
القيامة وزنًا، ولو لم يكن من الحكمة في وزن الأعمال إلا ظهور عَدْله سبحانه
لجميع عباده، فإنه لا أحد أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك أرسل الرسل