شرح الحديث:

(عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ) -رضي الله عنه-؛ (أَنَّ رِجَالًا) لم يُسَمّوا، (مِنَ الْمُنَافِقِينَ فِي

عَهْدِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانُوا إِذَا خَرَجَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى الْغَزْوِ تَخَلَّفُوا عَنْهُ)؛ أي:

تأخّروا عن الخروج معه -صلى الله عليه وسلم-؛ لنفاقهم، (وَفَرِحُوا بِمَقْعَدِهِمْ)؛ أي: بقعودهم،

يقال: قعد قعودًا، ومقعدًا؛ أي: جلس، وأقعده غيره، ذكر معناه الجوهريّ

فهو متعلق بفرحوا؛ أي: فرح المتخلفون بقعودهم (خِلَافَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-)

بنصب خلاف على أنه ظرف لمقعدهم، قال الأخفش، ويونس: الخلاف بمعنى

الخَلْف؛ أي: بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وذلك أن جهة الأمام التي يقصدها الإنسان

تخالفها جهة الخَلْف. وقال قطرب، والزجاج: معنى خلاف رسول الله:

مخالفة الرسول حين سار، وأقاموا، فانتصابه على أنه مفعول له؛ أي: قعدوا

لأجل المخالفة، أو على الحال، مثل:

وَأَرْسَلَهَا الْعِرَاكَ فَلَمْ يَذُدْهَا

أي: حال كونهم مخالفين له -صلى الله عليه وسلم-.

(فَإِذَا قَدِمَ) بكسر الدال (النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-) المدينة (اعْتَذَرُوا إِلَيْهِ)؛ أي: ذكروا له

عذرًا مانعًا لهم من الخروج معه -صلى الله عليه وسلم-، (وَحَلَفُوا) على أن العذر الذي ذكروه عذر

واقع لا شكّ فيه، (وَأَحَبُّوا أَنْ يُحْمَدُوا) بالبناء للمفعول؛ أي: ليحمدهم

النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، والمسلمون (بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا)؛ أي: بما ليس فيهم من الصدق في

اعتذارهم، وحَلِفهم عليه (?). (فَنَزَلَتْ) قال في "الفتح": هكذا ذكر أبو سعيد

الخدريّ -رضي الله عنه- سبب نزول الآية، وأن المراد: من كان يعتذر عن التخلف من

المنافقين، وفي حديث ابن عباس الذي بعده أن المراد: من أجاب من اليهود

بغير ما سئل عنه، وكتموا ما عندهم من ذلك.

ويمكن الجمع بأن تكون الآية نزلت في الفريقين معًا، وبهذا أجاب

القِرطبيّ وغيره، وحكى الفراء أنها نزلت في قول اليهود: نحن أهل الكتاب

الأَوَّل، والصلاة، والطاعة، ومع ذلك لا يُقِرّون بمحمد -صلى الله عليه وسلم-، فنزلت: {وَيُحِبُّونَ

أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} [آل عمران: 188].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015