هو أهله، ثم قال: "أما بعدُ أشيروا عليّ في أناس أَبَنُوا أهلي، والله ما علمت
على أهلي من سوء قط، وأبَنُوا بمن، والله ما علمت عليه من سوء قطّ، ولا
دخل بيتي قط إلَّا وأنا حاضر، ولا غبت في سفر إلَّا غاب معي"، فقام سعد بن
معاذ - رضي الله عنه -، فقال: ائذن لي يا رسول الله، أن أضرب أعناقهم، وقام رجل من
بني الخزرج، وكانت أم حسان بن ثابت من رهط ذلك الرجل، فقال: كذبت،
أما والله أن لو كانوا من الأوس ما أحببت أن تُضرب أعناقهم، حتى كاد أن
يكون بين الأوس والخزرج شرّ في المسجد، وما علمت به، فلما كان مساء
ذلك اليوم، خرجت لبعض حاجتي، ومعي أم مسطح، فعَثَرت، فقالت: تَعِس
مسطح، فقلت لها: أي أمّ تسبّين ابنك؟ ، فسكتت، ثم عثرت الثانية، فقالت:
تعس مسطح، فقلت لها: أي أم تسبّين ابنك؟ ، فسكتت، ثم عثرت الثالثة،
فقالت: تعس مسطح، فانتهرتها، فقلت لها: أي أم تسبّين ابنك؟ ، فقالت:
والله ما أسبّه إلَّا فيك، فقلت: في أيّ شيء؛ قالت: فبقرت لي الحديث،
قلت: وقد كان هذا؟ قالت: نعم والله، لقد رجعت إلى بيتي، وكأن الذي
خرجت له لَمْ أخرج، لا أجد منه قليلًا ولا كثيرًا، ووُعِكت، فقلت
لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أرسلني إلى بيت أبي، فأرسل معي الغلام، فدخلت الدار،
فوجدت أم رُومان في السفل، وأبو بكر فوق البيت يقرأ، فقالت أمي: ما جاء
بك يا بنية؟ قالت: فأخبرتها، وذكرت لها الحديث، فإذا هو لَمْ يبلغ منها ما
بلغ مني، قالت: يا بنية خففي عليك الشأن، فإنه والله لقلما كانت امرأة
حسناء، عند رجل يحبها، لها ضرائر إلَّا حسدنها، وقيل فيها، فإذا هي لَمْ يبلغ
منها ما بلغ مني، قالت: قلت: وقد علم به أبي؟ ، قالت: نعم، قلت:
ورسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قالت: نعم، واستعبرت، وبكيت، فسمع أبو بكر صوتي،
وهو فوق البيت يقرأ، فنزل، فقال لأمي: ما شأنها؟ قالت: بلغها الذي ذُكر من
شأنها، ففاضت عيناه، فقال: أقسمت عليك يا بنية، إلَّا رجعت إلى بيتك،
فرجعت، ولقد جاء رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيتي، فسأل عني خادمتي، فقالت: لا والله
ما علمت عليها عيبًا، إلَّا أنَّها كانت ترقد، حتى تدخل الشاة، فتأكل خميرتها،
أو عجينتها، وانتهرها بعض أصحابه، فقال: اصدقي رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى
أسقطوا لها به.