وروى الطبريّ، وأبو عوانة من طريق أبي حَصِين، عن مجاهد، قال:
"قالت عائشة: لمّا نزل عذرها، فقبّل أبو بكر رأسها، فقلت: ألا عذرتني؟
فقال: أيُّ سماء تُظلني، وأيّ أرض تُقِلّني إذا قلت ما لا أعلم؟ ! ".
(قَالَتْ) عائشة - رضي الله عنها -: (فَأَنْزَلَ اللهُ - عَزَّوَجَلَّ -) قوله: ({إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ}
[النور: 11]) مرفوع على أنَّه خبر "إن"، و ({مِنْكُمْ} [النور: 11]) صفة لعصبة،
وقيل: خبر "إن" قوله: {لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ} [النور: 11]، ويكون "عصبة" بدلًا
من فاعل {جَاءُوا}، قال ابن عطية: وهذا أنسق في المعني، وأكثر فائدة من أن
يكون الخبر {عُصْبَةٌ}، وجملة {لَا تَحْسَبُوهُ}، وإن كانت طلبية، فجعْلها خبرًا
يصِح بتقدير، كما في نظائر ذلك، و"الإفك": أسوأ الكذب، وأقبحه، وهو
مأخوذ من أَفَك الشيء: إذا قلبه عن وجهه، فالإفك: هو الحديث المقلوب،
وقيل: هو البهتان، وأجمع المسلمون على أنَّ المراد بما في الآية: ما وقع من
الإفك على عائشة أمّ المؤمنين - رضي الله عنها -، وإنما وصفه الله بأنه إفك؛ لأنَّ المعروف
من حالها - رضي الله عنها - خلاف ذلك.
قال الواحديّ: ومعنى القَلْب في هذا الحديث الذي جاء به أولئك النفر:
أن عائشة - رضي الله عنها - كانت تستحقّ الثناء بما كانت عليه من الحصانة، وشرف
النسب، والسبب، لا القذف، فالذين رموها بالسوء قلبوا الأمر عن وجهه، فهو
إفك قبيح، وكذب ظاهر.
والعصبة: هم الجماعة من العشرة إلى الأربعين، والمراد بهم هنا:
عبد الله بن أُبيّ رأس المنافقين، وزيد بن رفاعة، وحسان بن ثابت، ومِسطح بن
أُثاثة، وحمنة بنت جحش، ومن ساعدهم. وقيل: العصبة من الثلاثة إلى
العشرة، وقيل: من عشرة إلى خمسة عشر، وأصلها في اللغة: الجماعة الذين
يتعصب بعضهم لبعض. انتهى (?).
وقولها: (عَشْرَ آياتٍ) بدل من {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا}؛ لأنه مفعول به لـ "أنزل"
محكيّ، ولفظ البخاريّ: "العشر الآياتِ كلّها"؛ أي: أنزل الله - عَزَّوَجَلَّ - إلى آخر
عشر آيات، وآخر العشرة قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.