رأسه، واشكريه؛ لنعمة الله تعالى التي بشّرك، فقالت عائشة - رضي الله عنه - ما قالت

إدلالًا عليه، وعَتْبًا لكونهم شَكُّوا في حالها، مع عِلمهم بحسن طرائقها،

وجميل أحوالها، وارتفاعها عن هذا الباطل الذي افتراه قوم ظالمون، ولا حجة

له، ولا شبهة فيه، قالت: وإنما أحمد ربي - عَزَّوَجَلَّ - الذي أنزل براءتي، وأنعم عليّ

بما لَمْ أكن أتوقعه، كما قالت: "ولشأني كان أحقر في نفسي، من أن يتكلم الله

تعالى فيّ بأمر يُتْلَى". انتهى (?).

(فَقُلْتُ: والله لَا أَقُومُ إِلَيْهِ، وَلَا أَحْمَدُ إِلَّا اللهَ، هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ بَرَاءَتِي) وفي

رواية صالح: "فقالت لي أمي: قومي إليه، فقلت: والله لا أقوم إليه، ولا

أحمده، ولا أحمد إلَّا الله الذي أنزل براءتي"، وفي رواية الطبريّ من هذا

الوجه: "أحمد الله، لا إياكما"، وفي رواية ابن جريجٍ: "فقلت: بحمد الله،

وذَمِّكما"، وفي رواية أبي أويس: "نحمد الله، ولا نحمدكم"، وفي رواية أم

رُومان، وكذا في حديث أبي هريرة: "فقالت: نحمد الله، لا نحمدك"، ومثله

في رواية عمر بن أبي سلمة، وكذا عند الواقديّ، وفي رواية ابن حاطب:

"والله لا نحمدك، ولا نحمد أصحابك"، وفي رواية مِقسم، والأسود، وكذا

في حديث ابن عباس: "ولا نحمدك، ولا نحمد أصحابك"، وزاد في رواية

الأسود، عن عائشة: "وأخذ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بيدي، فانتزعت يدي منه، فنهرني

أبو بكر".

وعُذرها في إطلاق ذلك ما ذَكَرته من الذي خامرها من الغضب، من

كونهم لَمْ يبادروا بتكذيب من قال فيها ما قال، مع تحققهم حُسْن طريقتها.

قال ابن الجوزيّ: إنما قالت ذلك إدلالا، كما يُدِلُّ الحبيب على حبيبه،

وقيل: أشارت إلى إفراد الله تعالى بقوله فهو الذي أنزل براءتي، فناسب

إفراده بالحمد في الحال، ولا يلزم منه ترك الحمد بعد ذلك.

وَيحْتَمِل أن تكون مع ذلك تمسكت بظاهر قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لها: "احمدي الله"،

ففَهِمت منه أمرها بإفراد الله تعالى بالحمد، فقالت ذلك، وما أضافته إليه من

الألفاظ المذكورة، كان من باعث الغضب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015