الفاعل، تشبيهًا له بالفعل، وعلى اسم التفضيل؛ لِشَبَهه بالتعجّب، فالأول
كقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لليهود: "هل أنتم صادقوني؟ " (?)، ومنه قول الشاعر:
وَلَيْسَ بِمُعْيِينِي وَفِي النَّاس مُمْتِعٌ ... صَدِيقٌ إِذَا أَعْيَا عَلَيَّ صَدِيقُ
ومن الثاني قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "غير الدجّال أخوفني عليكم" (?) روي بلا نون،
وبها (?)، والله تعالى أعلم.
(وَلَكِنْ والله مَا كنْتُ أَظُنّ أَنْ يُنْزَلَ) بالبناء للمفعول، (فِي شَأْنِي وَحْيٌ
يُتْلَى) بالبناء للمفعول أيضًا، (وَلَشَأْنِي كَانَ أَحْقَرَ فِي نَفْسِي مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللهُ - عَزَّوَجَلَّ -
فِيَّ بِأَمْرٍ يُتْلَى) بالبناء للمفعول أيضًا، وفي رواية فُليح: "من أن يُتَكَلَّم بالقرآن
في أمري"، وفي رواية ابن إسحاق: "يُقرأ به في المساجد، ويُصَلَّى به".
قال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: فيه دليل على أنَّ الذين يتعيَّن على أهل الفضل، والعلم،
والجادة، والمنزلة: احتقار أنفسهم، وترك الالتفات إلى أعمالهم، وإلى أحوالهم،
وتجريد النظر إلى لطف الله تعالي، ومنّته، وعفوه، ورحمته، وكرمه، ومغفرته،
وقد اغترّ كثير من الجهّال بالأعمال، فلاحظوا أنفسهم بعين استحقاق الكرامات،
وإجابة الدعوات، وزعموا أنهم ممن يُتبرك بلقائهم، ويُغتنم صالح دعائهم، وأنهم
يجب احترامهم، وتعظيمهم، فيُتمسّح بأثوا بهم، وتُقبّل أيديهم، ويرون أن لهم من
المكانة عند الله بحيث يَنتقم لهم ممن تَنَقَّصهم في الحال، وأن يؤخذ من أساء
الأدب عليهم من غير إمهال، وهذه كلّها نتائج الجهل العميم، والعقل غير
المستقيم، فإنَّ ذلك إنما يصدر من جاهل معجَب بنفسه، غافل عن جُرْمه وذنبه،
مغتزّ بإمهال الله - عَزَّوَجَلَّ - له عن أخذه، ولقد غلب أمثال هؤلاء الأنذال في هذه
الأزمان، فاستتبعوا العوامّ، وعظمت بسببهم على أهل الدين المصائب والطوامّ،
فإنا لله، وإنا إليه راجعون، وهذه نفثات صدور، وإلى الله عاقبة الأمور. انتهى (?).