وقال القرطبيّ (?): "قلص"؛ أي: انقبض، وارتفع، وإنَّما كان ذلك؛ لأنَّ
الحزن والموجدة، قد انتهت نهايتها، وبلغت غايتها، ومهما انتهى الأمر إلى
ذلك جفّ الدمع؛ لفرط حرارة المصيبة، كما قال الشاعر:
عَيْنَيَّ سُحَّا وَلَا تَشُحَّا ... جَلَّ مُصَابِي عَنِ الدَّوَاءِ
إِنَّ الأَسَى وَالْبُكَا جَمِيـ ... عًا ضِدَّانِ كَالدَّاءِ وَالدَّوَاءِ
(حَتَّى مَا أُحِسُّ) بضمّ الهمزة، وكسر السين المهملة، أي: ما أجد (مِنْهُ)؛
أي: من الدمع (قَطْرَةً، فَقُلْتُ لأَبِي) أبي بكر - رضي الله عنه -: (أَجِبْ عَنِّي رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فِيمَا قَالَ)؛ أي: فيما تكلّم به الآن من الكلام، (فَقَالَ) أبو بكر - رضي الله عنه -: (والله مَا)
نافية، (أَدْرِي مَا) موصولة؛ أي: الذي (أقولُـ) ـــــه (لِرَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) قيل: إنما
قالت عائشة لأبيها ذلك، مع أن السؤال إنما وقع عما في باطن الأمر، وهو لا
اطّلاع له على ذلك، لكن قالته إشارةً إلى أنَّها لَمْ يقع منها شيء في الباطن،
يخالف الظاهر الذي هو يطّلع عليه، فكأنها قالت له: برئني بما شئت، وأنت
على ثقةٌ من الصدق فيما تقول، وإنما أجابها أبو بكر بقوله: "لا أدري"؛ لأنه
كان كثير الاتّباع لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأجاب بما يطابق السؤال في المعني، ولأنه
وإن كان يتحقق براءتها، لكنه كَرِه أن يزكي ولده، وكذا الجواب عن قول أمها:
"لا أدري"، ووقع في رواية هشام بن عروة: "فقال: ماذا أقول؟ "، وفي رواية
أبي أويس: "فقلت لأبي: أجب، فقال: لا أفعل، هو رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والوحي
يأتيه".
وقال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قولها لأبويها: "أجيبا عني" فيه تفويض الكلام إلى
الكبار؛ لأنهم أعرف بمقاصده، واللائق بالمواطن منه، وأبواها يعرفان حالها،
وأما قول أبويها: "لا ندري ما نقول" فمعناه: أن الأمر الذي سألها عنه لا
يَقفان منه على زائد على ما عند رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل نزول الوحي، من حُسن
الظنّ بها، والسرائر إلى الله تعالى. انتهى (?).
(فَقُلْتُ لأُمِّي أم رُومان) - رضي الله عنها -: (أَجِيبِي عَنِّي رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَتْ: والله مَا
أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -). قالت عائشة: (فَقُلْتُ: وَ) الحال (أَنَا جَارِيَةٌ