والحقّ أنَّها فهمت ذلك عند وقوعه بقرائن الحال، وأما قوله: "لا تقدر
على قتله" مع أن سعد بن معاذ لم يقل بقتله، كما قال في حقّ من يكون من
الأوس، فإن سعد بن عبادة فَهِم أن قول ابن معاذ: أمرتنا بأمرك؛ أي: إن
أمرتنا بأمرك، أي: أمرتنا بقتله قتلناه، وإن أمرت قومه بقتله قتلوه، فنَفَى
سعدُ بن عبادة قدرة سعد بن معاذ على قتله، إن كان من الخزرج، لعلمه أن
النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يأمر غير قومه بقتله، فكأنه أيأسه من مباشرة قتله، وذلك بحكم
الحمية التي أشارت إليها عائشة، ولا يلزم من ذلك ما فهمه المذكور أنه يَرُدّ
أمر النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقتله، ولا يمتثله، حاشا لسعد من ذلك.
وقد اعتذر المازريّ عن قول أُسيد بن حضير لسعد بن عبادة: إنك منافق
أن ذلك وقع منه على جهة الغيظ، والْحَنَق، والمبالغة في زجر سعد بن عبادة
عن المجادلة عن ابن أُبَيّ وغيره، ولم يُرِد النفاق الذي هو إظهار الإيمان،
وإبطان الكفر، قال: ولعله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنما ترك الإنكار عليه لذلك، وسيأتي ذِكر ما
في فوائد هذا الحديث في آخر شرحه زيادة في هذا - إن شاء الله تعالى -.
(فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ) هو: أُسيد - بضم الهمزة - ابن حُضير - بضم
إلى ناء المهملة، وفتح الضاد المعجمة - ابن سماك بن عتيك بن امرئ القيس بن
زيده بن عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن عمرو بن مالك بن الأوس
الأنصاريّ الأوسيّ الأسهليّ، أبو يحيي، أسلم على يد مصعب بن عمير
بالمدينة بعد العقبة الأُولي، وقيل الثانية، واختُلف في شهوده بدرًا، فنفاه ابن
إسحاق، والكلبيّ، وأثبته غيرهما، وشهد أُحُدًا، وما بعدها من المشاهد،
وشَهِد مع عمر - رضي الله عنهما - فتح البيت المقدّس، مات بالمدينة سنة عشرين، وصلى
عليه عمر - رضي الله عنهما - (1).
(وَهُوَ ابْنُ عَمِّ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ)؛ أي: من رهطه، ولم يكن ابن عمه حقيقة؛
لأنه سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل،
وأُسيد بن حُضير بن سماك بن عتيك بن امرئ القيس إنما يجتمعان في امرئ
القيس، وهما في التعدد إليه سواء.