وفي حديث ابن عمر: "إنما طلبت به دخول الجاهلية".

وقال ابن التين: قول ابن معاذ: "إن كان من الأوس ضربتُ عنقه" إنما

قال ذلك؛ لأنَّ الأوس قومه، وهم بنو النجار، ولم يقل في الخزرج؛ لِمَا كان

بين الأوس والخزرج من التشاحن قبل الإسلام، ثم زال بالإسلام، وبقي بعضه

بحكم الأَنَفة، قال: فتكلم سعد بن عبادة بحكم الأَنَفة، ونفى أن يحكم فيهم

سعد بن معاذ، وهو من الأوس، قال: ولم يُرد سعد بن عبادة الرضا بما نُقل

عن عبد الله بن أُبَيّ، وإنما بمعنى قول عائشة: "وكان قبل ذلك رجلًا صالِحًا"،

أي: لَمْ يتقدم منه ما يتعلق بالوقوف مع أنفة الحمية، ولم تُرد أنه ناضل عن

المنافقين، وهو كما قال، إلَّا أن دعواه أن بني النجار قوم سعد بن معاذ خطأ،

وإنما هم من رهط سعد بن عبادة، ولم يَجْر لهم في هذه القصة ذِكر.

وقد تأوّل بعضهم ما دار بين السعدين بتأويل بعيد، فارتكب شططًا،

فزعم أن قول سعد بن عبادة: "لا تقتله، ولا تقدر على قتله"، أي: إن كان من

الأوس، واستَدَلَّ على ذلك بأن ابن معاذ لَمْ يقل في الخزرجي ضربنا عنقه،

وإنما قال ذلك في الأوسيّ، فدلّ على أنَّ ابن عبادة لَمْ يقل ذلك حمية لقومه،

إذ لو كان حمية لَمْ يوجهها رهط غيره، قال: وسبب قوله ذلك أن الذي خاض

في الإفك كان يُظهر الإسلام، ولم يكن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقتل من يُظهر الإسلام،

وأراد أن بقية قومه يمنعونه منه، إذا أراد قتله، إذا لَمْ يصدر من النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمْر

بقتله، فكأنه قال: لا تقل ما لا تفعل، ولا تَعِدْ بما لا تقدر على الوفاء به.

ثم أجاب عن قول عائشة: "احتملته الحمية" بأنها كانت حينئذ منزعجة

الخاطر؛ لِمَا دهمها من الأمر، فقد يقع في فهمها ما يكون أرجح منه.

وعن قول أُسيد بن حضير الآتي بأنه حَمَل قول ابن عبادة على ظاهر

لفظه، وخَفِي عليه أن له محملًا سائغًا. انتهى.

قال الحافظ: ولا يخفى ما فيه من التعسف، من غير حاجة إلى ذلك،

وقوله: إن عائشة قالت ذلك، وهي منزعجة الخاطر مردود؛ لأنَّ ذلك إنما يتمّ

لو كانت حدّثت بذلك عند وقوع الفتنة، والواقع أنَّها إنما حدّثت بها بعد دهر

طويل، حتى سمع ذلك منها عروة، وغيره، من التابعين، كما قدَّمت الإشارة

إليه، وحينئذ كان ذلك الانزعاج، وزال، وانقضى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015