(قَالَتْ) عائشة: (فَأَخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الإِفْكِ)؛ أي: بما افتراه أهل
الدب، وقد تقدّمت أسماؤهم. (فَازْدَدْتُ مَرَضًا إِلَى مَرَضِي) وعند سعيد بن
منصور، من مرسل أبي صالح: "فقالت: وما تدرين ما قال؛ قالت: لا والله،
فأخبرتها بما خاض فيه الناس، فأخذتها الْحُمَّى"، وعند الطبرانيّ بإسناد
صحيح، عن أيوب، عن ابن أبي مُليكة، عن عائشة: "قالت: لما بلغني ما
تكلموا به، هممت أن آتي قَلِيبًا، فأطرح نفسي فيه"، وأخرجه أبو عوانة أيضًا.
(فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي، فَدَخَلَ عَلَي رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) قيل: الفاء في
"فدخل" زائدة، والأَولى أن في الكلام حذفًا، تقديره: فلما دخلت بيتي،
است قريت فيه، فدخل، ولفظ البخاريّ: "فلما رجعت إلى بيتي، ودخل عليّ
رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " بالواو، (فَسَلَّمَ) على من في البيت (ثُمَّ قَالَ) - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على عادته:
("كَيْفَ تِيكُمْ؟ ")؛ أي: كيف حال هذه المرأة؛ يريد عائشة - رضي الله عنها -، قالت عائشة:
(قُلْتُ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ؟ ) أبا بكر، وأم رُومان - رضي الله عنها -، وفي رواية هشام بن
عروة: "فقلت: أرسِلني إلى بيت أبي، فأرسل معي الغلام"، قال الحافظ: ولم
أقف، على اسم هذا الغلام. (قَالَتْ: وَأنا حِينَئِذٍ)؛ أي: وقت استئذاني إيّاه
(أُرِيدُ أَنْ أَتَيَقَّنَ الْخَبَرَ)؛ أي: خبر الإفك (مِنْ قِبَلِهِمَا)، أي: من جهة أبويّ،
(فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) في إتياني أبويّ، (فَجِئْتُ أَبَوَيَّ، فَقُلْتُ لأُمِّي) أم
رومان: (يَا أُمَّتَاهْ)؛ أي: يا أمي، (مَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ؟ ) "ما" استفهاميّة؛ أي:
أيّ شيء يتحدّث الناس في شأني؛ (فَقَالَتْ) أمها: (يَا بُنَيَّةُ) تصغير ابنة،
(هَوِّنِي) أمر من التهوين، وهو التسهيل، أي: سهّلي (عَلَيْكِ) الأمر، وفي رواية
هشام بن عروة: "فقالت: يا بنية خففي عليك الشأن"، (فَوالله لَقَلَّمَا كَانَتِ امْرَأَةٌ
قَطُّ)، أي: فيما مضى من الزمان.
[تنبيه]: قوله: "لقلّما" "ما " هذه زائدة، تسمّى"ما"الكافّة؛ لأنَّها كفّت
"قَلّ " عن عمل الرفع في الفاعل، قال ابن هشام الأنصاريّ - رَحِمَهُ اللهُ - في "مغنيه" ما
معناه: لا تتّصل"ما" هذه إلَّا بثلاثة أفعال: "قلّ"، و"كثُر"، و"طال"، وعلّة
ذلك شَبَهَهنّ بـ "رُبّ"، ولا يدخلن حينئذ إلَّا على جملة فعليّة، صُرّح بفعلها؛
كقوله [من الخفيف]:
قَلَّمَا يَبْرَحُ اللَّبِيبُ إِلَى مَا ... يُورِثُ الْمَجْدَ دَاعِيًا أَوْ مُجِيبَا