واستصحبوا حالهم في ظنهم أنَّها في هودجها، لَمْ يفتقدوها إلى أن وصلت

على قرب، ولو فقدوها لرجعوا كما ظنته، وقد وقع في رواية ابن إسحاق:

"وعرفت أن لو افتقدوني لرجعوا إليّ"، وهذا ظاهر في أنَّها لَمْ تَتْبعهم.

ووقع في حديث ابن عمر خلاف ذلك، فإن فيه: "فجئت، فاتّبعتهم،

حتى أعييت، فقصت على بعض الطريق، فمَرّ بي صفوان"، وهذا السياق ليس

بصحيح؛ لمخالفته لِمَا في "الصحيح"، وأنها أقامت في منزلها إلى أن

أصبحت، وكأنه تعارَض عندها أن تتبعهم فلا تأمن أن يختلف عليها الطرق،

فتهلك قبل أن تدركهم، ولا سيما وقد كانت في الليل، أو تقيم في منزلها

لعلهم إذا فقدوها عادوا إلى مكانها الذي فارقوها فيه، وهكذا ينبغي لمن فَقَد

شيئًا أن يرجع بفكره القَهْقَرَى إلى الحد الذي يتحقق وجوده، ثم يأخذ من هناك

في التنقيب عليه.

وأرادت بمن يفقدها: من هو منها بسبب؛ كزوجها، أو أبيها، والغالب

الأول؛ لأنه كان من شأنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يساير بعيرها، ويتحدث معها، فكأن ذلك لَمْ

يتفق في تلك الليلة، ولمّا لَمْ يتفق ما توقعته من رجوعهم إليها ساق الله إليها

من حَمَلها بغير حول منها، ولا قوّة، ذكره في "الفتح" (?).

(فَبَيْنَا) أصله "بين"، فأشبعت فتحة النون، فصارت ألفًا، وهو مضاف إلى

جملة (أَنَا جَالِسَةٌ فِي مَنْزِلِي)، وقولها: (غَلَبَتْنِي) جواب "بينا"، و (عَيْنِي)

بالإفراد، (فَنِمْتُ) بكسر النون، من باب عَلِم، وما اشتهر على ألسنة العوامّ من

ضمّ النون، فمن أغلاطهم الشائعة، فتنبّه.

قال في "الفتح": يَحْتَمِل أن يكون سبب النوم شدّةَ الغمّ الذي حصل لها

في تلك الحالة، ومن شأن الغم، وهو وقوع ما يُكره غلبة النوم، بخلاف الهمّ،

وهو توقّع ما يُكره، فإنه يقتضي السهر، أو لِما وقع من بَرْد السَّحَر لها، مع

رطوبة بدنها، وصغر سنها، وعند ابن إسحاق: "فتلففت بجلبابي، ثم

اضطجعت في مكاني"، أو أن الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - لطف بها، فألقى عليها النوم، لتستريح

من وحشة الانفراد في البريّة بالليل. انتهى (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015