والحاصل: أنه ورد في الأحاديث الصحيحة استعماله مع عشرين، فما
فوقه، كهذا الحديث: "بضعة وثمانين رجلًا"، وكحديث: "رأين بضعة وثلاثين
ملكًا"، وحديث: "صلاة الجماعة تفضل صلاة الواحد ببضع وعشرين درجة"،
وغير ذلك، فتنبّه، والله تعالى أعلم.
(فَقَبِلَ) بكسر الباء، من باب تَعِب، (مِنْهُمْ رَسُولُ اللهِ -صلي الله عليه وسلم- عَلَانِيَتَهُمْ)؛ أي:
ظواهرهم (وَبَايَعَهُمْ)؛ أي: جدّد مبايعتهم على نصرة الإسلام، (وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ)؛
أي: مما وقع منهم من التخلّف عنه، وذلك لأن الله -عز وجل- أمره بالاستغفار لمن
تخلّف عن مجلسه، فقال: {فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ
وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 62].
(وَوَكَلَ) بفتحات، مع التخفيف؛ أي: فوّض (سَرَائِرَهُمْ)؛ أي: أمر
سرائرهم التي اشتملت عليها قلوبهم، من الإخلاص، أو النفاق، (إِلَى اللهِ) -سبحانة وتعالي-؛
لأنه الذي يتولّى السرائر، {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [آل عمران: 154]، وقال:
{قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} [آل عمران: 29]، وقال: {وَإِنْ
تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} [البقرة: 284].
(حَتَّى جِئْتُ) إليه -صلى الله عليه وسلم-، (فَلَمَّا سَلَّمْتُ) ولفظ البخاريّ: "فلما سلّمت
عليه"، (تَبَسَّمَ) يقال: بَسَمَ بَسْمًا، من باب ضرب: إذا ضَحِك قليلًا، من غير
صوت، وابتسم، وتبسُّم كذلك، ويقال: هو دون الضحك (?). (تبَسُّمَ الْمُغْضَب)
بصيغة اسم المفعول؛ أي: تبسُّم من يظهر عليه الغضب، وذلك بسبب تخلَّفه
عنه. وعند ابن عائذ في "المغازي": "فأعرض عنه، فقال: يا نبي الله لِمَ
تعرض عني؟ فوالله ما نافقت، ولا ارتبت، ولا بدلّت، قال: فما خلّفك؟ ".
(ثُمَّ قَالَ) -صلى الله عليه وسلم-: ("تَعَالَ") بفتح اللام، أمْر من تعالى يتعالى، قال
الفيّوِميّ -رحمه الله-: تَعَالَ فعلُ أمر من تعالى يتعالى: إذا ارتفع، وأصله أن الرجل
العالي كان ينادي السافل، فيقول: تَعَالَ، ثم كَثُر في كلامهم حتى استُعْمِل
بمعنى هَلُمّ مطلقًا، وسواء كان موضع المدعوّ أعلى، أو أسفل، أو مساويًا،
فهو في الأصل لمعنى خاصّ، ثم استُعمل في معنى عامّ، ويتصل به الضمائر