(فَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ) -رضي الله عنه-: (فَلَمَّا بَلَغَني أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلي الله عليه وسلم- قَدْ تَوَجَّهَ)؛
أي: أقبل (قَافِلًا)؟ أي: راجعًا، ولفظ البخاريّ: "فلما بلغني أنه توجه قافلًا"
(مِنْ تَبُوكَ)؛ أي: من غزوتها، وذكر ابن سعد أن قدوم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
المدينة كان في رمضان. (حَضَرَنِي)؛ أي: أخذني (بَثِّي) بالموحّدة، ثم
المثلثة؛ أي: حزني، ولفظ البخاريّ: "حضرني همي"، وفي رواية
الكشميهنيّ: "همّني"، وفي رواية ابن أبي شيبة: "فطفقت أُعِدّ العذر
لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا جاء، وأُهيّئ الكلام". (فَطَفِقْتُ)؛ أي: شرعت، وأخذت
(أَتَذَكَّرُ الْكَذِبَ) في الاعتذار إلى النبيّ -صلي الله عليه وسلم- في تخلّفي عنه، (وَأقولُ) في
نفسي، ولمن أستعين برأيه: (بِمَ)؛ أي: بأيّ حيلة (أَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ) -صلى الله عليه وسلم-
(غَدًا)؛ أي: يوم القيامة، يُعبّر عنها بغد؛ لتحقّق وقوعها لا محالة، وأنه حتم
مقضيّ. (وَأَسْتَعِينُ عَلَى ذَلِكَ)؛ أي: جَمْع الأعذار، (كُلَّ ذِي رَأْي)؛
أي: عقل، وتفكُّر (مِنْ أَهْلِي، فَلَمَّا قِيلَ لِي: إِنَّ رَسُولَ اللهِ -صلي الله عليه وسلم- قَدْ
أَظَلَّ)؛ أي: أصبح (قَادِمًا) من سفره، (زَاحَ)؛ أي: زال، وابتعد (عَنِّي
الْبَاطِلُ)؟ أي: الكذب الذي كنت أزوّره للاعتذار، (حَتَّى عَرَفْتُ) وفي رواية
البخاريّ: "وعرفت" بالواو، (أَنَّي لَنْ أَنْجُوَ مِنْهُ)؛ أي: من سخطه -صلى الله عليه وسلم-
(بِشَئءٍ) من الأعذار الكاذبة (أَبَدًا) منصوب على الظرفيّة، متعلّق بـ "أنجو"،
وهو ظرف مستغرق لِمَا يُستقبل من الزمان، ملازم للنفي (?)، قال
الفيّوميّ -رحمه الله-: الأَبَدُ محرّكةً: الدَّهْر، ويقال: الدَّهْر الطويل، الذي ليس
بمحدود، قال الرُّمَّانيُّ: فإذا قلت: لا أكَلِّمُهُ أبدًا، فالأبُدُ من لَدُنْ تكَلَّمْت
إلى آخر عمرك، وجَمْعه آبَادٌ، مثلُ سَبَبٍ وأسباب. انتهى (?).
(فَأَجْمَعْتُ صِدْقَهُ)؛ أي: جزمت بذلك، وعقدت عليه قصدي، يقال:
أَجْمَعْتُ المسيرَ، والأمرَ وأَجْمَعْتُ عليه، يتعدى بنفسه، وبالحرف: عزمتُ
عليه، وفي الحديث: "من لم يُجمع الصيام قبل الفجر، فلا صيام له"؛ أي:
من لم يَعزِم عليه، فينويه، وأَجْمَعُوا على الأمر: اتفقوا عليه، قاله