نُسخه، وسقط من الكلام "إلا" قبل "يظن"، وبه يستقيم الكلام، وهي إيجاب بعدما
تضمّنه "قَلّ" من معنى النفي؛ لأن معنى قوله: "قلّ رجلٌ" بمعنى: ما رجل، فكأنه
قال: ما رجل يريد أن يتغيب إلا ظنّ أن ذلك سيخفى له. انتهى (?).
(أَنَّ ذَلِكَ) التغيّب (سَيَخْفَى) مضارع خَفِي، كرضي يرضى، وفي رواية
البخاريّ: "إلا ظن أنه سيخفى"، ووقع في رواية الكشميهنيّ: "أَنْ سيخفى"
بتخفيف النون، بلا هاء. (لَهُ) اللام بمعنى "على"؛ أي: على النبيّ -صلي الله عليه وسلم-،
والمعنى: أن من كان يريد أن يتغيّب عن الغزو، فإنه من السهل عليه أن يفعل
ذلك؛ لأنه يظنّ أنه -صلى الله عليه وسلم- لا يطّلع عليه؛ لكثرة الناس، ولعدم تسجيل أسمائهم
في ديوان، إلا أن ينزل وحي من الله تعالى، كما بيّنه بقوله: (مَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ)
بالبناء للفاعل، أو المفعول، (وَحْي مِنَ اللهِ-عز وجل-)؛ أي: إلا أن يُنزل الله -عز وجل-
وحيًا على رسوله -صلى الله عليه وسلم- بتغيّب ذلك الرجل، والله تعالى أعلم.
(وَغَزَا رَسُولُ اللهِ -صلي الله عليه وسلم- تِلْكَ الْغَزْوَةَ)؛ أي: غزوة تبوك، (حِينَ طَابَتِ)؛
أي: أدركت (الثِّمَارُ، وَ) تفيّأت (الظِّلَالُ)؛ يعني: حين كانت الأثمار ناضجة
على الأشجار، وكان ذلك موسم أهل المدينة، يشتاقون إليه، لتوفّر الثمار فيه،
ولكونها زمن تجارتهم فيها، والحصول على الأرباح، وهي التي كانت أساس
معيشتهم في ذلك الزمان (?).
وفي رواية موسى بن عقبة، عن ابن شهاب: "في قيظ شديد، في ليالي
الخريف، والناس خارفون في نخيلهم"، وفي رواية أحمد من طريق معمر:
"وأنا أَقْدَر شيء في نفسي على الجهاز، وخفّة الحاذ، وأنا في ذلك أصغو إلى
الظلال والثمار".
وقوله: "الْحَاذِ" بحاء مهملة، وتخفيف الذال المعجمة، هو الحال وزنًا
ومعنى، وقوله: "أصغو" بصاد مهملة، وضم المعجمة، أي: أمْيَل، وُيروَى:
"أصعُر" بضم العين المهملة، بعدها راء، وفي رواية ابن مردويه: "فالناس إليها
صعر"، قاله في "الفتح" (?).