رحمة الله، وتوبته قَتَله، بحكم سبعيته، ويأسه من رحمة الله، وتوبته عليه، ولمّا

لَطَف الله به بقي في نفسه الرغبة في السؤال عن حاله، فما زال يبحث إلى أن

ساقه الله تعالى إلى هذا الرجل العالم الفاضل، فلما سأله نطق بالحقّ

والصواب، فقال له: ومن يحول بينك وبينها؟ مفتيًا منكرًا على من ينفيها

عنه، ثم إنه أحاله على ما ينفعه، وهو مفارقته لأرضه التي كانت غلبت عليه

بحكم عادة أهلها الفاسدة، ولقومه الذين كانوا يُعينونه على ذلك، ويَحملونه

عليه. وبهذا يُعلم فضل العلم على العبادة، فإنَّ الأول غلبت عليه الرهبانية،

واغترّ بوصف الناس له بالعلم، فأفتى بغير علم، فهلك في نفسه، وأهلك

غيره، والثاني كان مشتغلًا بالعلم، ومعتنيًا به، فوُفّق للحق، فأحياه الله في

نفسه، وأحيا به الناس.

قال القاضي: ومذهب أهل السُّنَة والجماعة أن التوبة تكفِّر القتل، كسائر

الذنوب، وهو قول كافّة العلماء، وما رُوي عن بعضهم من تشديد في الزجر،

وتورية في القول، فإنما ذلك لئلا يجترئ الناس على الدماء، وقد اختلف في

قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} الآية

[النساء: 93]، فقيل: معناه: إن جازاه، وقيل: الخلود: طول الإقامة، لا

التأبيد، وقيل: الآية في رجل بعينه قَتل رجلًا له عليه دم بعد أخذ الدية، ثم

ارتدّ، وقد تقدَّم القول على أن كل ما دون الشرك يجوز أن يغفره الله تعالى،

وأنه ليس من ذلك شيء كفرًا، قتلًا كان، أو تَرْك صلاة، أو غيرها، كما دل

عليه قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}

الآية [النساء: 48]، ولقوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث عبادة بن الصامت -رضي الله عنه-: "تبايعوني

على ألّا تشركوا بالله شيئًا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا النفس التي

حرَّم الله إلا بالحق، فمن أصاب شيئًا من ذلك فعوقب به، فهو كفارة له، ومن

أصاب شيئًا من ذلك فستره الله عليه، فأمْره إلى الله، إن شاء عفا عنه، وإن

شاء عذبه"، متّفق عليه، ولقوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث عبادة -رضي الله عنه- أيضًا: "خمس

صلوات افترضهن الله -عز وجل- على العباد، فمن جاء بهنّ لم يضيّع منهن شيئًا، كان

له عند الله عهد أن يغفر له، ومن لم ياأت بهنّ، فليس له عند الله عهد، إن شاء

غفر له، وإن شاء عذبه"، وهذه حُجج صريحة تبيّن فساد مذهب المكفرة بشيء

طور بواسطة نورين ميديا © 2015