إثبات صفة الغيرة لله -سبحانة وتعالي- على حقيقتها، كما يليق بجلاله، وعدم تأويلها بشيء

مما تقدّم عن عياض، وابن العربيّ، وغيرهما، وهذا هو الذي سلكه السلف في

جميع صفات الله تعالى، وهو الحقّ المبين، وما عداه رأي عاطل مهين، والله

تعالى أعلم.

(وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَغَارُ)؛ أي: يتغير قلبه، ويهيج غضبه، إذا شورك فيما له به

اختصاص، وقوله: (وَغَيْرَةُ اللهِ) مبتدأ خبره قوله: (أَنْ يَأتِيَ)؛ أي: يفعل

(الْمُؤْمِنُ مَما حَرَّمَ عَلَيْهِ") يَحْتَمِل أن يكون بالبناء للفاعل، والفاعل ضمير الله،

وَيحْتَمِل أن يكون بالبناء للمفعول، والجارّ والمجرور هو النائب عن الفاعل.

ووقع في رواية البخاريّ بلفظ: "ما حَرّم الله"، قال في "الفتح": قوله:

"وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حَرّم الله"، كذا للأكثر، وكذا هو عند مسلم،

لكن بلفظ: "ما حَرَّمَ عليه" على البناء للفاعل وزيادة "عليه"، والضمير للمؤمن،

ووقع في رواية أبي ذرّ: "وغيرة الله أن لا يأتي" بزيادة "لا"، وكذا رأيتها ثابتة

في رواية النسفيّ، وأفرط الصغانيّ، فقال: كذا للجميع، والصواب حذف

"لا"، قال الحافظ: كذا قال، وما أدري ما أراد بالجميع، بل أكثر رواة

البخاريّ على حَذْفها وفاقًا لمن رواه غير البخاريّ؛ كمسلم، والترمذيّ،

وغيرهما، وقد وجّهها الكرمانيّ وغيره بما حاصله: أن غيرة الله ليست هي

الإتيان، ولا عدمه، فلا بد من تقدير مثل: لِأَنْ لا يأتي؛ أي: غيرةُ الله على

النهي عن الإتيان، أو نحو ذلك، وقال الطيبيّ: التقدير: غيرة الله ثابتة لأجل

أن لا يأتي، قال الكرمانيّ: وعلى تقدير "أن لا" يستقيم المعنى بإثبات "لا"،

فذلك دليل على زيادتها، وقد عُهدت زيادتها في الكلام كثيرًا مثل قوله: {مَا

مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ} [ص: 75]، {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ} [الحديد: 29]، وغير ذلك.

انتهى (?).

ثم قال المصنّف -رحمه الله- بالسند المذكور قبله:

(قَالَ يَحْيَى) فهو موصول، وليس معلّقًا، و"يحيى" هو ابن أبي كثير

المذكور في السند الماضي. (وَحَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ) هكذا بواو العطف، فهو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015